للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القاريء؛ ووجود كتابي وهو المثبت في المصاحف. ولا ريب أن القرآن من حيثيات هذه الوجودات حادث بل القرآن إنما يطلق علي المحفوظ والمتلو والمكتوب بالمجاز من حيث إنها دالة علي الكلام القائم بذات الله تعالى.

واعلم أنه لا برهان علي أن كل صوت فإنه يقوم بجسم ولا علي أن كل حرف فإنما يقدر عليه ذو جارحة بل لعل في ذلك الشاهد فقط. فالكلام للقديم كمال قديم نطق وسمع وبصر ولا آلة ولا جارحة كما أنه إدراك وعلم من غير ما قوي وعضو، ومن لم يدركه كما ينبغي لم يدرك إدراكه كما ينبغي فلا يلومن إلا نفسه. كلامه كتاب، وكتابه صواب، وقوله فصل، وحكمه عدل، ونوره ظهور، ووجوده شهود, وعيانه بيان، والكفر بما سواه إيمان {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٦، ٢٧].

وفي (١/ ٦٤) حول ذكره للاسم والمسمي وقول العلماء والمذاهب في تعريفهم لهما يميل ويؤيد قول الأشعري في ذلك حيث قال: "قال بعض المتكلمين ومنهم الأشعري: إن الاسم غير المسمي وغير التسمية وهو حق، لأن الاسم قد يكون موجودًا والمسمي معدومًا كلفظ المعدوم والمنفي ونحو ذلك، وقد يكون بالعكس كالحقائق التي لم توضح لها أسماء، ولأن الأسماء قد تكون كثيرة مع كون المسمي واحدًا كالأسماء المترادفة وكأسماء الله التسعة والتسعين، أو بالعكس كالأسماء المشتركة، ولأن كون الإسم اسمًا للمسمي وكون المسمي مسمي له من باب الإضافة كالمالكية والمملوكية، والمضافان متغايران لا محالة. ولا يشكل ذلك بكون الشخص عالمًا بنفسه لأنهما متغايران اعتبارًا، ولأن الاسم أصوات وحروف هي أعراض غير باقية والمسمي قد يكون باقيًا بل واجب الوجود لذاته، ولأنه لا يلزم من التلفظ بالعسل وجود الحلاوة في اللسان، ومن التلفظ بالنار وجود الحرارة. وقال المعتزلة: الاسم نفس المسمي لقوله تعالى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: ٧٨] مكان "تبارك ربك": والجواب أنه كما يجب علينا تنزيه ذات الله تعالى من النقائص يجب تنزيه اسمه مما لا ينبغي. وأيضًا قد يزاد لفظ الاسم مجازًا كقوله: إلي الحول ثم اسم السلام عليكما. قالوا: إذا قال الرجل: زينب طالق. وكان له زوجة مسماة بزينب طلقت شرعًا. قلنا: المراد الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ طالق فلهذا وقع الطلاق عليها، والتسمية أيضًا مغايرة للمسمي وللاسم لأنها عبارة عن تعيين اللفظ المعين لتعريف الذات المعينة، وذلك التعيين معناه قصد الواضع وإرادته، والاسم عبارة عن ذلك اللفظ المعين فافترقا".

وأيضًا قال في تأويله لصفات أخرى (١/ ٦٦): "ومنها الذات ولا شك في جواز إطلاقه عليه إذ يصدق علي كل حقيقة أنها ذات الصفات أي صاحبة الصفات القائمة بها، ويؤيد ذلك ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن إبراهيم لم يكذّب إلا في ثلاث: ثنتين في ذات الله) (١) -أي


(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب (٨) ومسمل في كتاب الفضائل حديث (١٥٤). أبو داود في كتاب الطلاق باب (١٦). الترمذي في كتاب تفسير سورة (٢١) باب (٣).