في طلب مرضاته- ومنها النفس قال تعالي:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] وقال - صلى الله عليه وسلم -: (أنت كما أثنيت علي نفسك) أي علي ذاتك وحقيقتك. ومنها الشخص قال:(لا شخص أغير من الله تعالى ومن أجل غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)(ولا شخص أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين) (ولا شخص أحب إليه المدحة من الله" (١)، والمراد بالشخص الحقيقة المتعينة الممتازة عما عداها. ومنها النور قال عز من قائل:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[النور: ٣٥] وليس المراد به ما يشبه الكيفية المبصرة وإنما المراد أنه الظاهر في نفسه المظهر لغيره. وإذ لا ظهور ولا إظهار فوق ظهوره وإظهاره فإنه واجب الوجود لذاته أزلًا وأبدًا، ومخرج جميع الممكنات من العدم إلي الوجود. فإن هو نور الأنوار تعالي وتقدس".
وقال أيضًا:"وقيل في حديث آخر: (لا تقبحوا الوجه فإن الله تعالى خلق آدم علي صورة الرحمن) المراد من الصورة الصفة كما يقال: صورة هذه المسألة كذا أي خلقه علي صفته في كونه خليفة في أرضه متصرفًا في جميع الأجسام الأرضية كما أنه تعالي نافذ القدرة في جميع العالم. ويمكن أن يقال: الصورة إشارة إلي وجه المناسبة التي ينبغي أن تكون بين كل علة ومعلولها، فإن الظلمة لا تصدر عن النور وبالعكس، وكنا قد كتبنا في هذا رسالة. ومنها الجوهر وأنه لا يطلق عليه بمعني موجود لا في موضع، أي إذا وجد كان وجودهن بحيث لا يحتاج إلي محل يقوم به ويستغني المحل عنه، لأن ذلك ينبئ عن كون وجوده زائدًا علي ماهيته. وإنما يمكن أن يطلق عليه بمعني آخر وهو كونه قائمًا بذاته غير مفتقر إلي شيء في شيء أصلًا لكن الإذن الشرعي حيث لم يرد بذلك وجب الامتناع عنه. ومنها الجسم ولا يطلقه عليه إلا الجسمة، فإن أرادوا الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة فمحال للزوم التركيب والتجزي، وإن أرادوا معني يليق بذاته من كونه موجودًا قائمًا بالنفس غنيًّا عن المحل فالإذن الشرعي لم يرد به فلزم الامتناع. ومنها الماهية والآنية أي الحقيقة التي يسأل عنها بما هي وثبوته الدال عليه لفظا "إن" ولا بأس بإطلاقهما عليه إذا أريد بهما الحقيقة والذات المخصوصة إلا من حيث الشرع. ومنها الحق فإنه تعالي أحق الأشياء بهذا الاسم، إما بحسب ذاته فلأنه الموجود الذي يمتنع عدمه وزواله، والحق يقال بإزاء الباطل والباطل يقال للمعدوم قال لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. وإما بحسب ما يقال إن هذا الخبر حق وصدق فهذا الخبر أحق وأصدق، وإما بحسب ما يقال إن هذا الاعتقاد حق فلأن اعتقاد وجوده ووجوبه أصوب الاعتقادات المطابقة".
وقال في الصفات أيضًا (١/ ٦٨): "الصفات الحقيقية المغايرة للوجود ولكيفيات الوجود. الفلاسفة والمعتزلة أنكروا قيام مثل هذه الصفات بذات الله تعالى أشد إنكار لأن واجب الوجود لذاته يجب أن يكون واحدًا من جميع جهاته, ولأن تلك الصفة لو كانت واجبة الوجود لزم