وقال عن الكرسي في سورة البقرة (٢/ ١٥): "فقال {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} يقال وسع فلان الشيء إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي" أي: لم يحتمل غير ذلك وأما "الكرسي" فأصله من التركب والتلبد، ومنه الكرس بالكسر للأبوال والأبعار يتلبد بعضها علي بعض، والكراسة لتراكب بعض أوراقها علي بعض، والكرسي لما يجلس عليه لتركب خشباته. وللمفسرين في معناه ها هنا أقوال: فعن الحسن أنه جسم عظيم يسع السموات والأرض وهو نفس العرش لأن السرير قد يوصف بأنه عرش وبأنه كرسي لأن كل واحد منهما يصح التمكن عليه. وقيل إنه دون العرش وفوق السماء السابعة وقد وردت الأخبار الصحيحة بهذا. وعن السدي أنه تحت الأرض. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكرسي موضع القدمين وينبغي أن تحمل هذه الرواية إن صحت عليّ ما لا يفضي إلي التشبيه ككونه موضع قدم الروح الأعظم أو ملك آخر عظيم القدر عند الله تعالي. وههنا أسرار لا أحبُّ إظهارها لو شاء الله أن يطلع عليها عبدًا من عبيده فهو أعلم بمحارم أسراره. وقيل: المراد من الكرسي أن السلطان والقدرة والملك له لأن الإلهية لا تحصل إلا بهذه الصفات، والعرب تسمي أصل كل شيء الكرسي، أو لأنه تسمية للشيء باسم مكانه؛ فإن الملك مكانه الكرسي. وقيل: المراد به العلم لأن موضع العالم هو الكرسي وأيضًا العلم هو الأمر المعتمد عليه. ومنه يقال للعلماء: كراسي الأرض كما يقال لهم أوتاد الأرض. وقيل: المقصود من الكلام تصوير عظمة الله وكبريائه ولا كرسي ثم ولا قعود ولا قاعد. واختاره جمع من المحققين كالقفال والزمخشري وتقريره: أنه يخاطب الخلق في تعريف ذاته وصفاته بما اعتادوا في ملوكهم، فمن ذلك أنه جعل الكعبة بيتًا له يطوف الناس به كما يطوفون ببيوت ملوكهم، وأمر الناس بزيارته كما يزور الناس بيوت ملوكهم. وذكر في الحجر الأسود أنه يمين الله في أرضه، ثم جعله مقبل الناس كما تقبَّل أيدي الملوك. وكذلك ما ذكر في القيامة من حضور الملائكة والنبيين والشهداء ووضع الموازين. وعلي هذا القياس أثبت لنفسه عرشًا فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥] ووصف عرشه فقال: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}[هود: ٧] ثم قال {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}[الزمر: ٧٥] ثم قال {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ .. ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة: ١٧] ثم أثبت لنفسه كرسيًا. ولما توافقنا أن المراد من الألفاظ الموهمة للتشبيه في الكعبة والطواف والحجر هو تعريف عظمة الله وكبريائه فكذا الألفاظ الواردة في العرش والكرسي".
وقال في (٢/ ٦١٣) حول صفة اليد: " {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} قيل: في هذه الآية إشكال لأن اليهود مطبقون علي أنا لا نقول ذلك، كيف وبطلانه معلوم بالضرورة؛ لأن الله اسم لموجود قديم قادر علي خلق العالم وإيجاده وتكوينه، وهذا الموجود يمتنع أن تكون يده مغلولة وقدرته قاصرة. والجواب أن الله تعالى صادق في كل ما أخبر عنه فلا بد من تصحيح هذا النقل عنهم، فلعل القوم قالوا هذا علي سبيل الإلزام فإنهم لما