للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والسخاء فقال: {يُنْفِقُ كَيفَ يَشَاءُ} وفيه أنه لا ينفق إلا علي مقتضي الحكمة وقانون العدالة وعلي حسب المشيئة والإرادة، لا مانع له ولا مكره فمن أوجب عليه شيئًا أو اعترض علي فعل من أفعاله فقد نازعه في ملكه وحجر تصرفه وقيد وغل ونسبه إلي ما لا يليق به".

وقال في الاستواء (٣/ ٢٤٦): "أما قوله سبحانه: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فحمل بعضهم الاستواء علي الاستقرار وزيف بوبجوه عقلية ونقلية منها: أن استقراره علي العرش يستلزم تناهيه من الجانب الذي يلي العرش، وكل ما هو متناهٍ فاختصاصه بذلك الحد بالمعين يستند لا محالة إلي محدث مخصص فلا يكون واجبًا. ولقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون الإله تعالي نورًا غير متناهٍ ويراد باستقراره علي العرش بلا تناهيه إحاطته به من الجوانب ونفوذه في الكل لا كإحاطة الفلك الحاوي بالمحوي، ولا كنفوذ النور المحسوس في الشرف، بل علي نحو آخر تعوزه العبارة. ومنها أنه تعالي لو كان في مكان وجهة لكمان إما أن يكون غير متناهٍ أو متناهيًا من بعضدها دون بعض. وعلي الأول يلزم اختلاطه بحميع الأجسام حتى للقاذورات ومع ذلك فالشيء الذي هو محل السموات، إما أن يكون عين الشيء الذي هو محل الأرض أو غيره، وعلي الأول يلزم أن يكون السماء والأرض حالين في محل واحد فهما شيء واحد لا شيئان. وعلي الثاني يلزم التركيب والتجزئة في ذاته تعالي. وأما إن كان متناهيًا من الجهات فلو حصل في جميع الأحياز فهو محال بالبديهة، وإن حصل في حيز واحد فلو كان جوهرًا فردًا لزم أن يكون واجب الوجود أحقر الأشياء وإلا لزم التبعيض لأن جهة الفوق منه تكون مغايرة لمقابلتها. وكذا الكلام فيه إن كان متناهيًا من بعض الجهات، ولو جاز أن يكون الشيء المحدود من جانب أو جوانب قديمًا أزليًا فاعلًا للعالم فلم لا يجوز أن يقال فاعل العالم هو الشمس والقمر أو كوكب آخر؟ وأيضًا يصح علي الشق المتناهي أن يكون غير متناهٍ وعلي غير المتناهي أن يكون متناهيًا، لأن الأشياء المتساوية في تمام الماهية كل ما يصح علي واحد منها صح علي الباقي فيصح النمو والذبول والزيادة والنقصان والتفريق والتمزق علي ذاته تعالي فيكون ممكنًا محدثًا لا واجبًا قديمًا. ولقائل أن يقول: إنه غير متناهٍ ولا يلزم من ذلك أن يكون محلًا للعالم ولا حالًا فيه، واستصحاب الشيء للمحل غير كونه نفس المحل أو مفتقرًا إلي المحل. وحديث اختلاطه بالقاذورات تخييل لا أصل له عند الرجل البرهاني. ومنها أنه لو كان الباري تعالي حاصلًا في المكان والجهة لكان الأمر المسمي بالجهة إما أن يكون موجودًا مشارًا إليه أو لا يكون. فإذا كان موجودًا كان له بعد وامتداد وللحاصل فيه أيضًا بعد امتداد فيلزم تداخل البعدين ومع ذلك يلزم كون الجهة والحيز أزليين ضرورة كون الباري تعالي أزليًا ومحال أن يكون ما سوى الواجب أزليًا، وإن لم يكن موجودًا لزم كون العدم المحض ظرفًا لغيره ومشارًا إليه بالحس وذلك باطل. واعترض بأن ذلك أيضًا وارد عليكم في قولكم: "الجسم حاصل في الحيز والجهة". وأجيب بأن مكان الجسم عندنا عبارة عن السطح الظاهر من الجسم المحوي وهذا المعني بالاتفاق في حق الله محال