للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فسقط الاعتراض".

ثم قال في ذات الله تعالى: "فلو اختص ذاته تعالي بحيز معين لكان اختصاصه به لمختص مختار، وكل ما كان فعل الفاعل المختار فهو محدث، فحصوله في الحيز محدث وكل ما لا يخلو عن الحادث فهو أولي بالحدوث فالواجب محدث هذا خلف".

وقال أيضًا: "وإن لم يكن حالًا ولا محلًا كان أجنبيًا مباينًا فتكون ذات الله تعالى مساوية لتمام الأجسام في الماهية ويصح عليه ما يصح عليها هذا محال، وعلي التقدير الثاني -وهو أن ذاته تعالي لا تمنع من حصول جسم آخر في حيزه- لزم سريانه في ذلك الجسم وتداخل البعدين كما مر والكل محال، فالمقدم وهو كونه تعالي في حيز محال".

وقال في (٣/ ٢٥٠): "ثم إنه لا قدرة ولا قوة أشد من قدرة الواجب لذاته فيكون بريئًا من الحجم والجرم والكثافة والرزانة. وقلت: في الاستقراء نزاع إنه صحيح تام أولًا، ولكن لا نزاع في أن واجب الوجود تعالي شأنه بريء عن الحجمية والكثافة وعن كل شيء يقدح في قيوميته. وههنا حجج قد أوردت في أوائل صورة الأنعام في تفسير قوله سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨] وقد عرفت ما عليها فهذه حجج عقلية عول عليها الإمام فخر الدين الرازي - رضي الله عنه - في تفسيره الكبير، وقد أوردنا عليها ما كانت ترد من المنوع والاعتراضات لا اعتقادًا للتشبيه والتجسم أو تقليدًا لأولئك الأقوام بل تشحيذًا للذهن وتقريبًا إلي المعارف والحقائق وجذبًا بضبع المتأمل في المضايق والمزالق فليختر المنصف ما أراد الله الموفق للرشاد. ولعل هذا المقام مما لا يكشف المقال عنه غير الخيال والله أعلم بحقيقة الحال".

ثم قال في الاستواء بعدها (٣/ ٢٥١): "فلو كان المراد من الاستواء هو الاستقرار كان أجنبيًا عما قبله وعما بعده لأنه ليس من صفات المدح إذ لو استقر عليه بق وبعوض صدق عليه أنه استقر علي العرش. فإذن المراد بالاستواء كمال قدرته في تدبير الملك والملكوت حتى تصير هذه الكلمة مناسبة لما قبلها ولما بعدها. والجواب أن الاستقرار بالتفسير الذي ذكرناه أدل شيء علي المدح والثناء، وحديث البق والبعوض خراف وهل هو إلا كقول القائل: لو كان واجب الوجود بقًا أو بعوضًا صدق عليه أنه إله فلا يكون الإله دالًا علي المدح. ومنها أنه سبحانه حكم في آيات كثيرة بأنه خالق السموات فلو كان فوق العرش كان سماء لساكني العرش لأن السماء عبارة عن كل ما علا وسما، ومن هنا قد يسمي السحاب سماء فيلزم أن يكون خالقًا لنفسه. والجواب بعد تسليم أن كل ما سما وارتفع فهو سماء من غير اعتبار أنه نور أو جسم، أن ذاته صبحانه مخصوصة بدليل منفصل كقوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ} [الرعد: ١٦] هذا ولغير الموسومين بالجسمة والمشبهة في الآية قولان: الأول القطع بكونه متعاليًا عن المكان والجهة ثم الوقوت عن تأويل الآية وتفويض علمها إلي الله، والثاني الخوض في التأويل وذلك من وجوه: أحدها تفسير العرش بالملك والاستواء بالاستعلاء أي استعلي علي الملك.