"وقامت الحرب بنا علي ساق". ومعناه يوم يشتد الأمر ويتفافم ولا كشف ثمة ولا ساق كما تقول للأقطع الشحيح "يده مغلولة" ولا يد ثمة ولا غل وإنما هو مثل في البخل، وهكذا في الحديث ومعناه يشتد أمر الرحمن ويتفاقم هوله. قال في الكشاف: ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن.
وإنما جاءت منكرة في التمثيل للدلالة علي أنه أمر فظيع هائل: قلت: الإنصاف أن هذا لا يرد علي المشبه فإن له أن يقول إنما نكر الساق لأجل التعظيم أي ساق لا يكتنه كنه عظمتها كما يقول غيره. وقال أبو سعيد الضرير: ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان، فمعني الآية يوم تظهر حقائق الأشياء وأصولها. وقيل: يكشف عن ساق جهنم أو عن ساق العرش أو عن ساق ملك مهيب. وقال أبو مسلم: هذا في الدنيا لأنه تعالي قال في وصف ذلك اليوم {وَيُدْعَوْنَ إلَي السُّجُودِ} ولا ريب أن يوم القيامة ليس فيه تعبد وتكليف فهو زمان العجز، أو آخر أيام دنياه فإنه في وقت النزع تري الناس يدعون إلي الصلاة بالجماعة إذا حضرت أوقاتها وهؤلاء لا يستطيعون الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع نفسًا إيمانها. والتحقيق أن الذي ذكره محتمل إلا أن في تعليله ضعفًا فإنا نوافقه أن يوم القيامة ليس وقت تعبد وتكليف. ولكن لا مانع من الدعاء إلي السجود للتوبيخ والتفضيح علي رؤوس الأشهاد. وقال الجبائي: لما خصص عدم الاستطاعة بالآخرة دل علي أنهم كانوا يستطيعون فيبطل هذا قول من قال لا قدرة له علي الإيمان، والجمع بين المتنافيين محال فالاستطاعة في الدنيا أيضًا غير حاصلة على قول الجبائي. والجواب الصحيح عندي أن عدم الاستطاعة في الدنيا لمانع آخر وهو أنه تعالي لم يرد منهم الإيمان وعلم منهم الكفر وقدر لهم ذلك، وعدم الاستطاعة في الآخرة لمانع آخر له من السجود وهو لين المفاصل".
وقال في صفة الرؤيا (٦/ ٤٠٤) من سورة القيامة في قوله تعالى {إلَي رَبِّهَا نَاظِرَة، وَوُجُوهٌ يَؤمَئِذٍ بَاسِرَةٌ}: "شديدة العبوس {تَظُنُّ أن يُفْعَلَ بهَا فاقِرَةٌ} فعل هو في شدته وفظاعته فاقرة أي داهية تقصم فقار الظهر كما توقعت الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير. قال الأصمعي: الفقر أن يحز أنف البعير حتى يخلص إلي العظم أو يقرب منه ثم يجعل فيه خشبة يجر بها البعير، ومنه قيل: عملت به الفاقرة. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية ربها فلا تنظر إليه. واعلم أن أهل السنة استدلوا بالآية علي إمكان رؤية الله تعالي في الآخرة بل علي وجوبها بحكم الوعد وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعني الرؤية فهو المطلوب. وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي فهذا في حقه تعالي محال لأنه منزه عن الجهة والمكان فوجب حمله علي مسببه وهو الرؤية وهذا مجاز مشهور وأما المعتزلة فزعموا أن النظر المقرون بـ "إلي" إنما يراد به تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا للرؤية فقد تحصل الرؤية وقد لا تحصل كما قال سبحانه {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} ويقال: دور فلان متناظرة أي متقابلة ولا ريب أن تقليب الحدقة نحو الشيء يستدعي جهة لذلك الشيء وهذا في