وقالت الأشاعرة: الطاعة موافقة الأمر. ولا نزاع أن موافقة الأمر طاعة إنما النزاع في أن المأمور به كإيمان أبي لهب هل يكون مرادًا أم لا. فعند الأشاعرة الأمر قد يوجد بدون الإرادة لئلا يلزم الجمع بين الضدين في تكليف أبي لهب مثلًا بالإيمان. وعند المعتزلة لا يأمر إلا بما يريد والخلاف بين الفريقين مشهور. قال في التفسير الكبير: هذه آية مشتملة علي كثر علم أصول الفقه لأن أصول الشريعة أربعة: الكتاب والسنة وأشار إليهما بقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وليس العطف للمغايرة الكلية، ولكن الكتاب يدل علي أمر الله، ثم يعلم منه أمر الرسول لا محالة. والسنة تدل علي أمر الرسول ثم يعلم منه أمر الله. والإجماع والقياس. وأشير إلي الاجماع بقوله:{وَأُولِي الْأَمْرِ} لأنه تعالي أمر بطاعتهم علي سبيل الجزم. ووجب أن يكون معصومًا لأن لو احتمل إقدامه علي الخطأ والخطأ منهي عنه لزم اعتبار اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد وإنه محال. ثم ذلك المعصوم إما مجموع الأمة أو بعضها علي ما يقول الشيعة من أن المراد بهم الأئمة المعصومون، أو علي ما زعم بعضهم أنهم الخلفاء الراشدون، أو علي ما روي عن سعيد بن جبير وابن عباس أنهم أمراء السرايا كعبد الله بن حذافة السهمي أو كخالد بن الوليد إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية وكان معه عمار بن ياسر فوقع بينهما خلاف فنزلت الآية. أو علي ما روي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك أنهم العلماء الذين يفتون بالأحكام الشرعية ويعلمون الناس دينهم لكنه لا سبيل إلي الثاني أما ما زعمه الشيعة فلأنا نعلم بالضرورة أنا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الإمام المعصوم والاستفادة منه، فلو وجب علينا طاعته علي الإطلاق لزم تكليف ما لايطاق ولو وجب علينا طاعته إذا صرنا عارفين به وبمذهبه صار هذا الإيجاب مشروطًا، وظاهر الآية يقتضي الإطلاق علي أن طاعة الله وطاعة رسوله مطلقة. فلو كانت هذه الطاعة مشروطة لزم أن تكون اللفظة الواحدة مطلقة ومشروطة معًا وهو باطل. وأيضًا الإمام المعصوم عندهم في كل زمان واحد، ولفظ أولي الأمر جمع".
وقال في قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)} [يونس: ٦٢](٣/ ٥٩٦): "التركيب يدل علي القرب فكأنهم قربوا منه تعالي لاستغراقهم في نور معرفته وجماله وجلاله. قال أبو بكر الأصم: هم الذين تولي الله هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبوديته والدعوة إليه. وقال المتكلمون: ولي الله من يكون آتيًا بالاعتقاد الصحيح المبني علي الدليل, ويكون آتيًا بالأعمال الصالحة الواردة في الشريعة وعنوا بذلك قوله تعالى في وصفهم أجازيه عليها غدًا إذا لقيني يوم القيامة، وكان يقول (فاطمة بضعة مني يؤذني ما يؤذيها)(١)، وثبت بالنقل المتواتر أنه كان يحب عليًّا والحسن والحسين، وإذا كان ذلك وجب علينا محبتهم لقول {فَاتِّبِعُوهُ}[الأنعام: ١٥٣]
(١) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب (١٦، ١٢) مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث (٩٣، ٩٤) أبو داود في كتاب النكاح باب (١٢) الترمذي في كتاب المناقب باب (٦٠) ابن ماجة في كتاب النكاح باب (٥٦) أحمد في مسنده (٤/ ٥، ٣٢٦).