وكفي شرفًا لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفخرًا ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة. قال بعض المذكرين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق) وعنه - صلى الله عليه وسلم -: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، فنحن نركب سفينة حب آل محمّد - صلى الله عليه وسلم - ونضع أبصارنا علي الكواكب النيرة أعني آثار الصحابة لنتخلص من بحر التكليف وظلمة الجهالة ومن أمواج الشبه والضلالة. ثم أكد إيصال الثواب علي المودة بقوله {وَمَن يَقْتَرفْ حَسَنَةً} أي يكتسب طاعة، قال بعض أهل اللغة: الاقتراف مستعمل في الشر فاستعاره ها هنا للخير. عن السدي أنها المودة في آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزلت في أبي بكر الصديق ومودته فيهم، والظاهر العموم في كل حسنة ولا شك أن هذه مرادة قصدًا أوليًّا لذكرها عقيبها" أ. هـ.
أما قوله في قوله الله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب: ٣٣](٥/ ٤٦٠): "فاستعار للذنوب الرجس، وللتقوي الطهر، وإنما أكد إزالة الرجس بالتطهير؛ لأن الرجس قد يزول ولم يطهر المحل بعد و {أهْلَ الْبَيتِ} نصب علي النداء أو علي المدح وقد مر في آية المباهلة أنهم أهل عباء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أصل، وفاطمة رضي الله عنهما والحسن والحسين رضي الله عنها بالاتفاق. والصحيح أن عليًّا - رضي الله عنه - منهم لمعاشرته بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وملازمته إياه. وورود الآية في شأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يغلب علي الظن دخولهن فيهن، والتذكير للتغليب. فإن الرجال وهم النبي وعلي وأبناؤهم غلبوا علي فاطمة وحدها أو مع أمهات المؤمنين. ثم أكد التكاليف المذكورة بأن بيوتهن مهابط الوحي ومنازل الحكم والشرائع الصادرة من مشرع النبوة ومعدن الرسالة".
وقال أيضًا (٦/ ٧٣) في قوله تعالى: " {لا أسْألُكُمْ عَلَيهِ} علي هذا التبليغ {أجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ} الكائنة {فِي الْقُرْبَي} جعلوا مكانًا للمودة ومقرًا لها ولهذا لم يقل "مودة القربي" أو "المودة للقربي" وهي مصدر بمعني القرابة أي في أهل القربي وفي حقهم. فإن قيل: استثناء المودة من الأجر دليل علي أنه طلب الأجر علي تبليغ الوحي وذلك غير جائز كما جاء في قصص سائر الأنبياء ولا سيما في "الشعراء". وقد جاء في حق نبينا - صلى الله عليه وسلم - أيضًا {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}[سبأ: ٤٧] {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)} [ص: ٨٦] والمعقول منه أن التبليغ واجب عليه وطلب الأجر علي أداء الواجب لا يليق بالمروءة. وأيضًا أنه يوجب التهمة ونقصان الحشمة. قلنا: إن من جعل الآية منسوخة باللتين لا استثناء فيهما فلا إشكال عليه، وأما الآخرون فمنهم من قال: الاستثناء متصل ولكنه من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
والمعنى: لا أطلب منكم أجرًا إلا هذا وهو في الحقيقة ليس أجرًا لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب ولا سيما في حق الأقارب كما قال عز من قائل: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}[الرعد: ٢١] ومنهم من قال: