للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستثناء منقطع أي لا أسألكم عليه أجرًا البتة، ولكن أذكركم المودة في القربي، وفي تفسير {الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَي) أربعة أقوال:

الأول: قال الشعبي: كثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلي ابن عباس نسأله عن ذلك فأجاب بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان واسطة النسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وقد كان بينهم وبينه قرابة فقال الله: {قل لا أسألكم} علي ما أدعوكم إليه أجرًا إلا أن تودوني لقرابتي منكم يعني أنكم قومي وأحق من أجابني وأطاعني فإن قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربي ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي.

القول الثاني: روي الكعبي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده سعة فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم الله علي يده وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم، فاجمعوا له طائفة من أموالكم ففعلوا. ثم أتوه فرده عليهم ونزلت الآية تحثهم علي مودة أقاربهم وصلة أرحامهم.

القول الثالث: عن الحسن: إلا أن تودوا إلي الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح.

الرابع: عن سعد بن جبير: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم لقرابتك؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما. ولا ريب أن هذا فخر عظيم وشرف تام، ويؤيده ما روي أن عليًّا شكا إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسد الناس فيه فقال: أما ترضي أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسن وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا وعنه - صلى الله عليه وسلم -: (حرمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلي أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا {الَّذِينَ آمَنُوا})، وهو إشارة إلي كمال حال القوة النظرية {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} وهو إشارة إلي كمال حال القوة العملية.

ها هنا مقام آخر وهو أن يحمل الإيمان علي مجموع الاعتقاد والعمل ويكون الولي متقيًا في كل الأحوال، أما في موقف العلم فبأن يقدس ذاته عن أن يكون مقصورًا علي ما عرفه أو يكون كما وصفه، وأما في مقام العمل فإن يري عبوديته وعبادته قاصرة عما يليق بكبريائه وجلاله فيكون أبدأ في الخوف والدهشة. وأما نفي الخوف والحزن عنهم فقد مر تفسيره في أوائل سورة البقرة.

وعن سعيد بن جبير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل من أولياء الله؟ فقال: هم الذين يذكر الله برؤيتهم. يعني أن مشاهدتهم تذكر أمر الآخرة لما فيهم من آثار الخشوع والإخبات والسكينة. وعن عمر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن من عباد الله عبادًا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله. قالوا: يا رسول الله أخبرنا من هم وما أعمالهم فلعلنا نحبهم. قال: هم قوم تحابوا في الله علي غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس. ثم قرأ الآية") (١).


(١) رواه الترمذي في كتاب الزهد باب (٥٣). أحمد في مسنده (٥/ ٢٢٩, ٢٣٩, ٢٤١).