من شرائعه بكلامه، أو خرج من كتابه المبين -وهو اللوح المحفوظ- وذكر عكرمة أنه شهد جنازة رجل مع ابن عباس رضي الله عنهما، فقال رجل: اللهم يارب القرآن اغفر له، فقال له ابن عباس: منه، أما علمت أن القرآن منه؟ قال: فغطى الرجل رأسه، كأنه أتى كبيرة. ومعنى "منه": أن القرآن صفة لله تعالى القائمة بذاته، فلا يجوز أن يوصف بما يصبر مربوبًا محدثًا. فإن قيل: فما معنى قول السلف "إن كلام الله منه خرج، وإليه يعوده؟ قلت: معناه: أنه تعالى به أمر، ونهى، وإليه يعود، يعني هو الذي يسألك عما أمرك، ونهاك. أقول: معنى قولهم: "منه بدأ" أنه أنزل على الخلق ليكون حجة لهم وعليهم قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا} وقولهم "وإليه يعود" أن مآل أمره وعاقبته من تبين حقيقته، وظهور صدق ما نطق به، من الوعد والوعيد إلى الله تعالى. قال سبحانه:{يَوْمَ يَأْتِي تَأْويلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}. وإذا تقرر هذا، فليس شيء من العبادات يتقرب العبد به إلى الله، ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن" أ. هـ.
وقال في (٤/ ١٣١٢) حول صفة الغيرة: "قوله: "أغير من الله" "نه": الغيرة هي الحمية والأنفة، يقال: غرت على أهلي، أغار غيرة، فأنا غائر. غيور للمبالغة. "نه": "أن يزني" متعلق بـ"أغير" -وحذف الجار من "أن" قياس مستمر- ونسبة الغيرة إلى الله تعالى مجاز محمول على غاية إظهار غضبه على الزاني، وإنزال نكاله عليه. ووجه اتصال هذا المعنى بما قبله هو أنه - صلى الله عليه وسلم - لما خوف أمته من الكسوفيين، وحرضهم على الفزع والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء، والصلاة، والتصدق، أراد أن يردعهم عن المعاصي كلها، فخص منها الزنا، وفخم شأنها في الفظاعة، وندب أمته بقوله: "يا أمة محمد" ونسب الغيرة إلى الله تعالى. ولعل تخصيص العبد والأمة بالذكر رعاية لحسن الأدب، لأن أصل الغيرة أن يستعمل في الأهل والزوج، فامتنع من نسبة ذلك إلى الله تعالى تنزيهًا لجنابة الأقدس عنه. ويجوز أن تكون نسبة هذه الغيرة إلى الله الانتقام وحلول العقاب المصرحة التبعية، شبه حالة ما يفعل تعالى مع عبده الزاني من الانتقام وحلول العقاب عليه بحالة ما يفعل السيد بعبده الزاني من الزجر والتعزيز، ثم كرر الندبة ليتعلق به ما ينتسبه به على الندبة، والفزع إلى الله تعالى من علم بالله تعالى وبغضبه" أ. هـ.
وقال في (٥/ ١٥٦٦) في الوجه من حديث: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة): (قال: (وجه الله). ذاته، والوجه يعبر به عن الجملة والذات" أ. هـ.
وقال في (٥/ ١٧٢٨): "قوله: وما ترددت عن شيء": التردد تعارض في الرأيين، وترادف الخاطرين، وهو وإن كان محالًا في حقه تعالى إلا أنه أسند إليه باعتبار غايته ومنتهاه الذي هو التوقف والتأني في الأمر، كذلك سائر ما يسند إلى الله تعالى من صفات المخلوقين كالغضب والحياء والمكر (١). فالمعنى: ما أخرت وما توقفت
(١) قال المحقق في الهامش: "ما وصف الله تعالى به نفسه، من هذه الصفات، يصح وصفه به على النحو الذي وصف الله تعالى به نفسه، وذلك أن مثل هذه الصفات لم ترد إلا مفيدة على سبيل المجازاة، وذلك كقوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} فلا يصح أن يقال هو ماكر بإطلاق، بل يقال يمكر بالماكرين ونحوه، على نحو ما ورد في كتابه تعالى.