انصَرفوا، وجاء في العام القابِل إلى الحجِّ سبْعون، فواعدَهم - صلى الله عليه وسلم - العقَبةَ أوسَط أيام التشريق.
قال كعْب بن مالكٍ: فلمَّا استثقَل الناسُ في النَّوم تسلَّلنا من فُرُشنا، فاجتمَعنا بالعقَبة، فإذا معَه عمُّه العماس لا غيرُ، فقال العبَّاس: يا مَعشَر الخَزْرج! إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ علمْتُم، وهو في مَنَعَةٍ ونُصرةٍ من قَومه وعَشيرته، وقد أَبى إلا الانقِطاع إليكم، فإنْ كنتُم وافِيْنَ بما وعدتُموه فأنتُم وما تحمَّلتُم، وإلا فاتركُوه في قومه، فتكلَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داعيا إلى الله عز وجل مُرَغِّبًا في الإسلام، تاليًا للقُرآن، فأَجبْناه بالإيمان، فقال:"إِنِّي أُبايعُكم على أنْ تَمنَعُوني مما منَعتُم به نساءكم وأَبناءكم"، فقُلنا: اُبسُطْ يدَك نبُايعْك عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَخرِجُوا إليَّ مِنْكُم اثني عشَر نَقِيْبًا"، فأَخرجْنا، وكان عُبادة نقَيب بني عَوفٍ، فبايعوه.
وهذه بَيعة العقَبة الثانية، وبايَع - صلى الله عليه وسلم - بيعةً ثالثةً: بَيعة الرِّضوان في الحُدَيْبِيَة، وعُبادةُ فيها، فبايعَه في الثَّلاث.
(وَحَوْلَهُ) بالنَّصب؛ لأنَّه ظرفٌ، وموضعه رفعٌ؛ لأنَّه خبر المبتدأ الذي بعدَه، ويُقال فيه أيضًا: حَوَالَيْه، بفتح اللام في الثلاث، أي: مُحيطون به.
(عِصَابَةٌ) -بكسر العين-: ما بين العشَرة إلى الأَربعين، لا واحدَ لها من لفْظها، وجمعها: عَصائب، ومادَّتها إما: العَصْب، وهو الشدُّ؛ لأنَّهم يشُدُّ بعضهم بعضًا، ومنه عِصَابة الرَّأْس، والعَصَب؛ لأنَّه