والجمعُ بين الحديثَين بِما أشَرنا إليه أوَّلَ الباب: أنَّ فِعلَه - صلى الله عليه وسلم - ذلك غالبًا لكَونه الأفضلَ، وفعلَه الثَّاني بيان لأمَّته أنَّه يَجوزُ، ولا يُقال: إنَّ ذلك من تَعارضِ النَّفي والإثباتِ، فقد تَمَّ الإثباتُ لكَونه زيادةَ علمٍ؛ لأنَّ ذلك إنَّما هو في النَّفي المَحصورِ، وهنا غيرُ مَحصورٍ، بل تَقدَّم النَّفيُ هنا؛ لأنَّه خاصٌّ، والإثباتُ عامٌّ، فيُقَدَّمُ الخَاصٌّ على العَامِّ، أي: يُخصَّصُ به، فقد قالَ أصحابُنا: إذا تَعارَضَ خاصٌّ وعام كانَ مُخَصِّصًا له، عُلمَ تأخُّره أو لا، خلافًا لقَولِ أبي حنيفَةَ أنَّ العامَّ المُتأخِّر يَنسَخُ.