اشتغال عن ذلك، وكيفَ ولم يكونوا رافعين رؤوسهم إلى السَّماء مترصدين مركز القمر من الفلك لا يغفلون عنه، حتّى إذا حدث لجرم القمر ما حدث من الانشقاق أبصروهُ، وكثيرًا ما يقع له الخسوف، ولا يشعر به النَّاس، حتّى يخبرهم الآحاد منهم مع طول زمانه، وهذا إنّما كان في قدر اللحظة الّتي هي مدرك البصر، ولو أحبَّ الله تعالى أن تكون معجزات النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمورًا واقعة بحسب الحس، بحيث يشترك فيه الكل لفعل ذلك، والله تعالى جرت سنته باستئصال الأُمة الّتي أتاها نبيها بالآية العامة الّتي تدرك بالحس ولم يؤمنوا بها، وخص هذه الأُمة بالرّحمة، فجعل آية نبيه - صلى الله عليه وسلم - عقلية، وذلك لِمَا أُوتوه من فضل العقول، وزيادة الأفهام، ولئلا يكون سبيلهم سبيلَ من هلك من الأُمم المسخوط عليهم، المقطوع دابرهم، ولم يبق لهم عين ولا أثر.
* * *
٢٨ - بابٌ
(باب)
٣٦٣٩ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيآنِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ.