وبالجُملة فالمراد بذلك: قَذْف المُحصَن ونحوه مِن الكذِب على الناس، ورميهم بالعَظائم، وبما يَلحقهم به العارُ والفَضيحةُ، فكنَّى بذلك عن الوَقاحة، وخَرْق جِلْباب الحياء كدأْب السِّفْلة من الناس، ولذلك وقَع الإطْناب فيه بذِكْر البُهتان والافتراء مع أنَّهما بمعنًى واحدٍ، وذِكْرُ أنَّه بين الأَيدي والأرجل زيادةٌ في تقرير قُبحه وبشاعته.
(فِي مَعْرُوفٍ)؛ أي: ما يَحسُن، وهو ما لم يَنْهَ الشارع عنه، أو باشتِهاره في الشرع.
وقال الزَّجَّاج: هو المأْمور به، وقيل: الطَّاعة.
قال في "النِّهاية": هو اسمٌ جامعٌ لكل ما عُرف من طاعة الله تعالى، والإحسان إلى الناس، وما نَدَب الشَّرع إليه من حَسَنٍ، ونهى عنه من قَبيحٍ.
وقال (ن): يحتمِل: ولا تعصُوني ولا أَحدًا وَلِيَ عليكُم من أَتباعي إذا أَمركُم بالمعروف، فيكون التَّقييد بالمعروف عائدًا إلى الأتْباع، ولهذا قال: ولا تَعصُوا، ولم يقُل: تَعصُوني، ويحتمل أنَّه أراد نفْسَه فقط، ولكن قيَّده بالمعروف تَطْييبًا لنُفوسهم؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يأْمر إلا بالمعروف.
وقال الزَّمَخْشَري: في الآية أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كان لا يأْمر إلا بالمعروف إلا أنَّه نبَّه على أنَّ طاعة المَخلُوق في معصيةِ الخالق جديرةٌ بغاية التَّوَقِّي والاجتِناب.