والعِقاب يُنال بأيِّ شيءٍ تُرك منه، وأما عُموم (مَن أصابَ) لمَا سبَق من الشِّرك وغيرِه؛ فمخصوصٌ بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: ٤٨]، وبالإجماع، أو أن ذلك إشارةٌ إلى غير الشِّرك، فإنَّ العُقوبة لا تسقُط عنه في الآخِرة، ولو قُتل في الدُّنيا، ولا يقبل العفْو بدليل ما سبَق.
ووجْه تخصيص الإشارة بغيره: أنَّ قَرينة (فسَتَره) تدلُّ عليه؛ لأنَّ الكُفر عمَلٌ قلبيٌّ مُقابلٌ للإيمان، وهو التَّصديق القَلْبي، فتعيَّن أنْ يكون هذا في الفِعْل الذي يُمكن إخفاؤُه وإظهاره.
وقال الطِّيْبِي: قالوا: المراد منه المؤمنون خاصةً؛ لعطْفه على (فمَن وَفَى)، وهو خاصٌّ بهم لقوله:(منكم)، والتَّقدير في الثاني: ومَن أصابَ منكم أيُّها المؤمنون مِن ذلك شيئًا، فعُوقب في الدُّنيا -أي: أُقيمَ عليه الحدُّ- لا يُعاقب عليه في الآخِرة، وبأَنَّ الفاء في قوله:(فمَن) الثانية لترتيب ما بعدَها على ما قبلَها، والضمير في (منكم) للعِصابة المَعهودة، فكيف يخصَّص الشِّرك بالغير؟ فالصَّحيح أنَّ المراد بالشِّرك الرِّياء؛ لأنَّه الشِّركُ الخفِيِّ، قال تعالى:{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: ١١٠]، ويدلُّ عليه تنكير (شيئًا)؛ أي: شركًا أيًّا ما كان.
قال (ك): عُرْفُ الشَّرعِ يقتضي أنَّ لفْظ (الشِّرك) عند الإطلاق يُطلق على مقابل التوحيد سيَّما في أوائل البِعْثة، وكثْرة عبَدة الأصنام.
(فَهُوَ كفَّارَةٌ)؛ أي: فالعِقاب، أي: الحدُّ كفارةٌ له، يُسقِط عنه