يُفسِدوا إيانهَم، ولم يُبطلوه بكُفْر، وإلا فالخلْط لا يُتصوَّر، ويحتمل أنَّ المراد: لم يُنافِقوا، لأنَّه جمع بينهما ظاهرًا وباطنًا وإنْ كانا لا يجتمعان.
(أينا لم يظلم)، وفي نسخةٍ:(نَفْسَه)، والمراد أنَّهم لمَّا فَهموا من الآية مُطلَق الظُّلم؛ بيَّن تعالى أنَّ المُراد به ظُلمٌ خاصٌّ، وهو الشِّرك، وإنما فَهموا حَصْر الأَمْن فيمن لم يَلبِس إيمانَه، حتى ينتفي الأَمْن عمَّن التَبس مِن تقديم (لهم) على (الأَمْن)، وتقديم (هم) على (مهتدون) كما قال الزَّمَخْشَري في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}[المؤمنون: ١٠٠]: إنَّه للتَّخصيص، وإنما كان (بظُلْمٍ) مُرادًا به، أي: لفْظ (هم) في قوله: (وَهُم مُّهتَدُونَ): الظُّلْم العظيم؛ لأن التَّنكير للتَّعظيم، والظُّلْم العظيم هو الشِّرك، إذْ لا ظُلْمَ فوقَه، ولم يصِف الشارعُ غيرَه بذلك، فقصَر ذلك عليه.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرٌ.
قال (ن): وروى البخاري الحديث في (التفسير) كذلك أيضًا، لكنْ رواية مسلم:(أَيُّنا لم يَظْلِمْ نفسَه)، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (لَيْسَ هو كما تَظنُّون، إنما هُو كما قال لُقْمان لابنه:{يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣])، ففيه تفسيرٌ لما في البخاري.
ففيه دلالةٌ على أنَّ المعاصي لا تكون كُفرًا، وأنَّ الظُّلْم على ضربَين، وأنَّ تأْخير البَيان إلى وقْت الحاجة جائزٌ، وأصل الظُّلْم وَضْع الشيء في غير مَوضِعه.