فالجميع ملكٌ للرَّاقي، وقال:(واضربوا لي) تطييبًا لقُلوبهم، ومبالغةً في أنه حَلالٌ لا شُبهةَ فيه.
وفيه التَّصريح بأنَّ الفاتحة رُقيةٌ، واستحبابُ قراءَتها على اللَّديغ، والمريض، وسائر الأسقام، ولا يُعارض هذا ما في حديث الذين يَدخُلون الجنَّة بغير حِسَاب:"ولا يَرقُون"؛ لأنَّ المراد بالرُّقَى المذمومة التي تكون من كلام الكُفَّار، أو التي لا يُعرف معناها، المُحتملة أن تكون كُفْرًا أو قَريبًا منه، كالتي بالعِبْرانيَّة، وأمَّا الرُّقَى بالقرآن والأذكار المشهورة فممدوحةٌ إجماعًا، وقد يُجمع بأن المَدْح بترك الرُّقى من جِهَة الأفضليَّة، وبيان التوكُّل، والذي أَذِن فيه فهو لبَيان الجَواز، وإنْ كان التَّرْك أفضَل، أو أنَّ النَّهي لقومٍ يعتقدون تأثيرَ ذلك كما كانت الجاهليَّة تعتقد في أشياء كثيرةٍ.
قال (ط): فيه أنَّ من القرآن ما يختصُّ بالرُّقْيَةِ، وإنْ كان الكُلُّ مَرجوَّ البرَكة، لكنْ إذا كان في الآية تعوُّذٌ أو دعاءٌ كان أخصَّ بالرُّقية، فأراد بقَوله:(وما يُدرْيكَ) أن يَختبر عِلْمه بذلك، وموضع الرُّقية فيها:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحه:٥]؛ أي: على كشْف الضُّرِّ، وسُؤال الفَرَج، والإقرار بالحاجَة إلى عَوْنه، فهو في معنى الدُّعاء، ويحتمل من جِهَة الافتتاح بالحمد الذي هو ثناءٌ على الله، فاستفتح بالثَّناء فجاءَ الفرَج.