قال: وفي الحديث الرخصة أن يقول الرجل في الإصلاح ما لم يسمعه من القول، وقال البيضاوي: أي: خير ما يسمعه، ويدع شره، يقال: نميت الحديث -مخففًا- في الإصلاح، ومثقلًا في الإفساد، وكان الأول من النماء، لأنه رفع لما يبلغه، والثاني من النميمة، وقال الحربي: هي مشددة، وأكثر المحدثين يخففها، وهذا لا يجوز، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يلحن، ومن خففه لزمه أن يقول:(خيرٌ).
قال أبو السعادات: وهذا ليس بشيء، فإنه ينتصب بـ (نمى) كما ينتصب بـ (قال) وكلاهما على زعمه لازمان، وإنما نمى متعدٍّ، يقال: نميت الحديث، أي: رفعته، وإنما نفى من المصلح كونه كذابًا باعتبار القصد دون القول، وقد رُخِّصَ في بعض الأحوال من الفساد القليل الذي يريد به الإصلاح الكثير، انتهى.
نعم، نَفْي الكذَّاب بصيغة المبالغة لا يلزم منه نفي أصل الكذب إلا إن حمل كذاب على النسبة، أي: ذو كذب كما قرر بذلك {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] أي: ليس بذي ظلم، أو أن التكثير باعتبار كثرة الناس فيكثر الكذب، أو لأن الصلح لابد له من كثرة الكلام، فلو كان كلامًا كذبًا لكان كذابًا، وأما كون الذي للإصلاح وهو خلاف الواقع لا يسمى كذبًا، فالمراد به نفي الإثم فيه لا نفي وجود حقيقته، وفي الكلام فيما يظهر قَلْبٌ.