(ويرحم الله لوطًا) إلى آخره، قال الطيِّبْيُّ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأن كلامه يدلُّ على إِقْناط كلِّي، ويأْس شديد مِن أن يكون له ناصِرٌ ينصرُه، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - استَغربَ هذا القولَ، وعدَّه نادرة منه؛ إذْ لا رُكن أشدُّ من الركن الذي كان يَأْوي إليه.
وقال صاحب "الكشَّاف": معناه: إلى قَوي أستَندُ إليه، وأتمنَّعُ به، فيَحميني منكم، شبَّه القويَّ العَزيز بالركن من الجبَل في شدَّته ومَنَعتِه، ويُروى: أنه أغلَق بابه حين جاؤوا، وجعل يُراودهم ويجادلُهم من وراء حِجاب، فحُمِل تارةً على التشبيه، وأُخرى على ظاهره.
قال (ن): يجوز أنه نَسِيَ الالتجاءَ إلى الله تعالى في حماية الأَضْياف، أو أنه التجأَ إلى الله فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأَضْياف العُذْرَ وضِيْقَ الصَّدر، وقال مجاهد: يعني بالركن الشَّديد العَشيرة، أي: لو أرادَ لأَوى إليها لكنَّه أوى إلى الله تعالى.
قلتُ: وحملَهُ بعض علماء العصر على أنَّ الركن الشديد هم الملائكة الذين جاؤوا إلى لُوطٍ، لكنه ما كان أولًا عرفَهم، فلو أَوى إليهم لكفَّره قومه.
(لأجبت الداعي)؛ أي: لأسرعتُ في الإجابة إلى الخُروج عن السِّجن، ولَمَا قدَّمتُ العُذر، قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف: ٥٠].
وصفَه - صلى الله عليه وسلم - بالصَّبر حيث لم يُبادِر إلى الخُروج، وقال ذلك تواضُعًا، لا أنه كان في الأمر منه مبادرةٌ وعجلةٌ لو كان مكانَ يوسُف،