عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُنَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا:{آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ".
الحديث فيه، قال (خ): إنه أصلٌ في وجوب التوقُّف عما يُشكل من الأُمور، فلا يُقضى عليه بصحةٍ أو بطلانٍ، ولا بتحليلٍ، وتحريمٍ.
وقد أُمرنا أن نؤمن بالكتُب المنزَّلة على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إلَّا أنَّه لا سبيلَ لنا أن نعلم صحيحَ ما يُحلُّونه منها من سَقيمه، فنتوقَّف، فلا نُصدِّقهم لئلا نكون شُركاء معهم فيما حرَّفوه منه، ولا نكُذِّبهم، فلعلَّه يكون صحيحًا، فنكون منكِرين لما أُمرنا أن نُؤمن به.
وعلى هذا كان يتوقَّف السَّلَف عن بعض ما أشكَل عليهم، وتعليقُهم القول فيه، كما سُئل عُثْمان عن الجمْع بين الأُختين في مِلْك اليمين، فقال: أحلَّتْهما آيةٌ، وحرَّمتْهما آيةٌ، وكما سُئل ابن عُمر عن رجلٍ نذَر أن يصوم كل اثنين، فوافَق ذلك اليوم يومَ عيدٍ، فقال: أَمرَ الله بالوفاء بالنَّذْر، ونهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم العِيد.
فهذا مذهب مَن سلَك طريق الورَع، وإنْ كان غيرهم قد اجتهدوا، واعتبروا الأُصول، فرجَّحوا أحد المَذهبَين على الآخَر، وكلُّ ما يَنويه من الخير، وَيؤُمُّه من الصَّلاح مشكورٌ.