للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مستَصحِبًا للطَّهارةِ في مسيرِه إلى أن يبلُغَ جَمعًا، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُناجي ربَّه في غالبِ أحواله، فأَحَبَّ أن يكونَ على طُهرٍ، وإنَّما لم يُسبِغْها؛ لأنَّه لم يفعَل ذلك ليصلِّيَ بِها، ولهذا أسبَغَها حينَ أرادَ أن يُصليَ، وفي وُضوئِه لغير الصَّلاة دليلٌ على أنَّ الوُضوءَ نفسَه عبادةٌ وقُربةٌ، ونحوُه طهارتُه إذا أَوى إلى فِراشِه.

قلت: قد يُنازَعُ في ذلك بأنَّ الوضوءَ يُندَب لأمورٍ كثيرةٍ، فلا ينحصرُ في الصَّلاة، فالوُضُوء لأجلِها لا لذَاتِه.

قال (ط): ولم يُسبغ الوضوءَ؛ أي: توضَّأ مرَّةً مرَّةً، لأنَّه أعجَلَه دفعُ الحُجَّاجِ إلى المُزدلفة، وذلك يبيحُ الصَّلاة، وأمَّا تفسيرُه بالاستِنجاء فقط؛ فمردودٌ بقولِ أسامةَ: (الصَّلاةَ يا رسولَ الله)؛ إذ من المُحالِ أن يقولَ له ذلك وهو لم يتوَضَّأ وضُوءَه للصَّلاة.

قال (ك): يُحتمَل أنَّ المُراد: تُريدُ الصَّلاة؛ فَلِمَ لا تتوضَّأُ وُضوءَها؟ فأجابَه - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ الصَّلاة أمامَك، فلا أحتاجُ الوُضوءَ في هذه الحَالة، وإنَّما الجوابُ: أنَّ اللَّفظَ يُحمَل على معناه الشَّرعيِّ، فلا يُحمَل الوُضوءُ على الاستِنجاء، فأجابَ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ السُّنة التأخيرُ، فلمَّا جاءَ المُزدلفة أسبغَ الوُضوءَ أخْذًا بالأفضَلِ والأكَمَل على عادَتِه.

وفيه: أنَّ الأدونَ يذكِّرُ الأَعلى؛ فخشِيَ أسامةُ أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قد ينسى لِمَا كانَ فيه من الشُّغل، فأجَابه: بأنَّ مَحلَّ الصَّلاة تلكَ اللَّيلة هناك بطريقِ الجَمعِ.