للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَزداد مِن أَجلها جلالةً، وفي عُيونهم قَدْرًا ومَخافةً.

قال: هذا على ما بعثَه اللهُ به من الشَّريعة الحَنِيْفيَّة الهادِمة لمَا كان عليه رَهابين النَّصارى من الانقِطاع عن النِّكاح، فدَعا إلى المُناكَحة، وقال: "تَناكَحُوا تَكثُروا"، وكان - صلى الله عليه وسلم - أَولاهُم بإتْيان ما دَعا إليه، واستِيفاء الحَظِّ منه؛ ليَكون داعيةً إلى الاقتِداء به.

وأما إباحةُ الزِّيادة على الأَربَع فأمرٌ لا يُنكَر في الدِّين، وقد كان لسُليمان -عليه الصلاة والسلام- مائةُ امرأةٍ، ولا في العَقْل؛ لأنَّ حِكمة الاحتِذاء به حَذْو الحاجَة، والمَصلحة من غير تحديدٍ بشيءٍ معلومٍ، وإنما قُصِر الأُمةُ على أَربَعٍ من الحَرائر؛ لخَوف أنْ لا يَعدِلُوا فيهنَّ، والعَجْز عن القِيام بحقوقهنَّ، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: ٣]، {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية [النساء: ٣]، وكانتْ هذه العِلَّة معدومةً في حقِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومما يُبين لك أنَّه لا عِبْرةَ بالعدَد أن النِّساء مِن مِلْك اليمين قد أُبِحْنَ للأُمَّةِ بلا عدَدٍ محدَّدٍ، وذلك أنَّه ليس لهنَّ حقٌّ في التَّسوية، والتعديل على ساداتِهنَّ.

ثم من المعلوم من شأْنه - صلى الله عليه وسلم - في قِلَّة ذات اليد أنَّه لم يكُن بحيث يتيسَّر له الاستِكثارُ من عدَد الإماء، فيَستغنيَ بنكاحهنَّ على الزَّيادة على الأَربع مِن الحَرائر، ومعقولٌ أنَّ لهنَّ من الفَضْل في الدِّين والعَقْل، وآداب العِشْرة، وصَراحة النَّسَب ما ليس للإماء، فكان أفضَل الأمرَين أمْلَكُها له، وأَولاها به زيادةُ حظِّه في النِّساء الحَرائر، انتهى.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>