ويحتمل أن الشَّعْبِيَّ إنما يُريد بذلك الناطِقَ لا الأَخرَس، ويكون معناه: إذا قال المتكلِّم: أنتِ طالقٌ، وأشارَ بالأُصبَع إلى عدَد الطَّلَقات الثَّلاث تَبِيْن منه البَينونة الكُبرى بمقتضَى الإشارة.
قال (ط): اختُلف في لِعان الأَخْرَس، فقال الكوفيون: لا يصحُّ قَذْفه، ولا لِعانُه، فإذا قذَفَ امرأتَه بإشارته لم يُحدَّ، ولم يُلاعِن، وقالوا: يَلزم الأَخرسَ الطَّلاقُ والبَيعُ.
وقال أبو حنيفة: إنْ كانتْ إشارتُه تُعرف في طَلاقه، ونكاحه، وبَيعه، وكان ذلك منه معروفًا فهو جائزٌ عليه، وليس ذلك بقياسٍ، وانما هو استِحسانٌ، والقياس في هذا كلِّه أنه باطلٌ.
قال (ط): وفي ذلك إقرارٌ منه بأنه حُكمٌ بالباطل؛ لأنَّ القياس عنده حقٌّ، فإذا حكمَ بضِدِّه وهو الاستِحسان فقد حكَم بضِدِّ الحقِّ، ودفَع القياسَ الذي هو حقٌّ.
قال: وأظنُّ البخاريَّ حاول بهذا الباب الردَّ عليه؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حكَم بالإشارة في هذه الأحاديث، وجعل ذلك شَرعًا لأُمتِه.
* * *
٥٣٠٠ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ " قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "بَنُو