زمانه، ولم تكن كلُّها تُوجَد بالمدينة الوجودَ العام، فإن الحِنطةَ كانت بها عزيزةً، والعسلُ مثلُها أو أعزُّ، فعَدَّ عمرُ - رضي الله عنه - ما عَرَفَ منها وجَعلَ ما في معناها مما يُتخَذ من الأرز وغيره خمرًا؛ بمشابهتها إن كانت مما يُخامِرُ العقلَ ويُسكِرُ كإسكارِها، وفيما قال: إن الخمرَ ما خامَرَ العقلَ دليلٌ على جوازِ إحداثِ الاسم بالقياس، وأخذِه من طريق الاشتقاق، وزعم قومٌ أن العربَ لا تَعرف النَّبِيذَ المُتخذَ من التمر خمرًا؛ وأُجيب: بأن الصحابةَ الذين سَمَّوا الفَضِيخَ خمرًا فُصَحاءُ، فلو لم يَصحَّ هذا الاسمُ لها لم يُطلقوه عليها.
قال: وأشار النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الشراب الذي هو جنس المشروب الموصوف بالإسكار، فدخل فيه قليلُه وكثيرُه بأيِّ اسمٍ تسمَّى، وبأيِّ صفةٍ حُدَّ، وفيه: بطلانُ قولِ مَن زعمَ أن الإشارةَ بالمُسكِر إنما وقعَتْ إلى الشربة الأخيرة أو إلى الجزء الذي يُظهر السُّكرَ على شاربه عند شربه؛ لأن السُّكرَ لا يختص بجزءٍ من الشراب دونَ جزءٍ، وإنما يُوجَد السُّكرُ في آخره على سبيل التعارف كالشِّبَعِ بالمأكول، ثم الشرابُ الذي يُسكِرُ كثيرُه إذا كان في الإناء لا يخلو من أن يكونَ حلالًا أو حرامًا، فإن كان حلالًا لم يَجُزْ أن يَحرُمَ منه شيءٌ، وإن كان حرامًا لم يَجُزْ أن يُشرَبَ منه شيءٌ، فإن قيل: هو حلالٌ في نفسِه، ولكنَّ الله تعالى نَهَى أن يُشرَبَ منه ما يُزيلُ العقلَ؟ أُجيب: ينبغي أن تكونَ تلك الشُّربةُ معلومةً يَعرفُها كلُّ شاربٍ، إذ لا يجوز أن يُحرِّمَ اللهُ شيئًا ولا يجعلَ لهم السبيلَ إلى معرفته، ومعلومٌ أن الطِّباعَ تختلفُ، وقد يَسكَرُ