عبد المؤمن معه، فبينا هو في بعض طرق ملاّلة المذكورة .. إذ رأى شابا قد بلغ أشده على الصفة التي معه، فقال له وقد تجاوزه: ما اسمك يا شاب؟ فقال: عبد المؤمن، فرجع إليه وقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فنظر في حليته، فوافقت ما عنده، فقال له:
ممن أنت؟ فقال: من كومية-بضم الكاف، وسكون الواو، وكسر الميم، وفتح المثناة من تحت-قبيلة، فقال: وأين مقصدك؟ قال: الشرق، أطلب علما، فقال له:
وجدت علما وشرفا وذكرا، اصحبني .. تنله، فوافقه على ذلك، فألقى محمد إليه أمره، وأودعه سره.
وكان محمد ابن تومرت قد صحب رجلا يسمى: عبد الله الونشريسي-بواو، ثم نون ساكنة، ثم شين معجمة مكررة قبل الراء والمثناة من تحت وبعدهما-وكان الونشريسي ممن تهذب وقرأ الفقه وغيره، وكان جميلا فصيحا في لغة العرب وأهل المغرب، ففاوضه ابن تومرت فيما عزم عليه من القيام، فوافقه على ذلك أتم الموافقة، فتحدثا يوما في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب، فقال ابن تومرت لعبد الله الونشريسي: أرى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن الناس، وتظهر من العجز واللّكن والحصر والتعري من الفضائل ما تشتهر به عند الناس؛ لنتخذ الخروج عن ذلك واكتساب العلم والفصاحة دفعة واحدة؛ ليقوم ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا إليه، فنصدّق فيما تقوله، ففعل عبد لله ذلك.
ثم إن ابن تومرت استدنى أشخاصا من أهل المغرب أجلادا في القوى الجسمانية، أغمارا، وكان أميل إلى الأغمار من أولي الفطن والاستبصار، فاجتمع له منهم ستة سوى الونشريسي، ثم إنه رحل بهم إلى أقصى المغرب، واجتمع بعبد المؤمن على ما ذكرناه، وتوجهوا جميعا إلى مراكش وسلطانها يومئذ أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكا عظيما، حليما، عادلا، متواضعا، وكان بحضرته رجل يقال له: مالك بن وهيب الأندلسي، وكان عالما صالحا، ونزل بأصحابه في مسجد خراب خارج مراكش، وشرع ابن تومرت في الإنكار على جاري عادته، حتى أنكر على ابنة الملك، وله في ذلك قصة يطول شرحها، فبلغ خبره الملك، وأنه يتحدث في تغيير الدولة، فتحدث مالك بن وهيب في أمره وقال: نخاف من فتح باب يعسر علينا سده، والرأي أن يحضر هذا الشخص وأصحابه لنسمع كلامهم بحضور جماعة من علماء البلد، فأجاب الملك إلى ذلك، فأحضروهم من المسجد المذكور، فقال الملك لعلماء بلده: سلوا هذا الرجل ما يبغي منا، فانتدب له محمد بن أسود قاضي المرية فقال: ما هذا الذي يذكر عنك من الأقوال في