للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قومنا، فبرز إليهم بأمر النبي صلّى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فأما حمزة وعلي فما أمهلا صاحبيهما، واختلف الوليد بن عتبة وعبيدة بن الحارث بضربتين، كلاهما أثبت صاحبه، فكرّ حمزة وعلي على عتبة فذفّفاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، وآخر ذلك أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حفنة من الحصى ورماهم بها، وقال لأصحابه: «شدوا»، فكانت الهزيمة (١)، فقتلوا من الكفار سبعين، وأسروا سبعين، وقتل من المسلمين أربعة عشر رجلا: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، ولما فرغ صلّى الله عليه وسلم من أمرهم أسرا وقتلا .. أمر بأربعة وعشرين رجلا منهم فقذفوا بالقليب قليب بدر؛ وهي: بئر غير مطوية، وكان صلّى الله عليه وسلم إذا أغار على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث .. أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه وقالوا:

ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفير الرّكيّ (٢)، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول: «أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ »، فقال عمر: ما تكلم يا رسول الله من أجساد لا أرواح فيها؟ ! فقال صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده؛ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» (٣).

قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله؛ توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندامة.

وروي: أنه صلّى الله عليه وسلم قيل له بعد الهزيمة: هذه العير ليس دونها شيء، فانهض في طلبها، فناداه عمه العباس وهو أسير: لا يصلح لك ذلك، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «ولم ذلك؟ » قال: لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «صدقت» (٤).

وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة؛ يبشران أهل المدينة، قال أسامة بن زيد: أتانا الخبر حين سوّينا التراب على رقيّة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة، فلما كان بمضيق


(١) أخرجه الطبري بسنده في «التاريخ» (٢/ ٤٤٩).
(٢) الشفير: الحرف والطرف، والرّكي: البئر قبل أن تطوى، أي: قبل أن تبنى بالحجارة.
(٣) أخرجه البخاري (٣٩٧٦)، ومسلم (٢٨٧٣).
(٤) أخرجه الحاكم (٢/ ٣٠٢٧)، والترمذي (٣٠٨٠)، وأحمد (١/ ٢٢٨)، وأبو يعلى (٢٣٧٣)، وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>