للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمس» (١)، فانتدب منهم سبعون رجلا الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، فلما بلغوا حمراء الأسد-وهي على ثمانية أميال من المدينة- .. مر بهم معبد الخزاعي، وكانت خزاعة نصحاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم، فعزّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمن أصيب من أصحابه، ثم جاوزهم، فلما انتهى إلى قريش .. أخبرهم بمخرج النبي صلّى الله عليه وسلم، وهوّل جيوشه، وقال: والله، لقد حملني ما رأيت على أن قلت: [من البسيط]

كادت تهدّ من الأصوات راحلتي ... إذ مالت الأرض بالجرد الأبابيل (٢)

في أبيات أنشدها، فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه عن الرجوع، ومر عليهم ركب من عبد القيس، فجعل لهم أبو سفيان جعلا على أن يخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه بأنهم يريدون الكرة عليهم، فلما مر الركب برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخبروه وأصحابه بمقالة أبي سفيان .. قالوا-كما حكى الله عنهم-: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، } وأقام صلّى الله عليه وسلم بحمراء الأسد ثلاثا، ثم رجع.

وفي هذه الغزوة أخذ صلّى الله عليه وسلم معاوية بن المغيرة الأموي جدّ عبد الملك بن مروان أبا أمه، وأبا عزة الجمحي الشاعر، فأما معاوية .. فشفع فيه عثمان رضي الله عنه، فشفّع فيه على أنه إن وجد بعد ثلاث .. قتل، فوجد بعدها فقتل، وأما أبو عزة .. فكان النبي صلّى الله عليه وسلم أسره ببدر، فشكا حاجة وعيالا، فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجانا، وأخذ عليه ألاّ يعين عليه، فنكث، فلما وقع الثانية .. شكا مثلها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا والله؛ لا تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين؛ إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» (٣)، وأمر بضرب عنقه.

وفي هذه السنة: غزوة بني النّضير بعد أحد، وقال الزهري عن عروة: وكانت قبل أحد على رأس ستة أشهر من بدر (٤)، وكانوا صالحوا النبي صلّى الله عليه وسلم حين قدموا المدينة على ألاّ يقاتلوا معه ولا يقاتلوه، فنقضوا العهد، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين


(١) انظر «طبقات ابن سعد» (٢/ ٤٥).
(٢) تهدّ: تسقط، الجرد: الخيل العتاق، الأبابيل: الجماعات.
(٣) أخرجه البيهقي (٩/ ٦٥) بلفظه، وحديث: «لا يلدغ المؤمن ... » أخرجه البخاري (٦١٣٣)، ومسلم (٢٩٩٨).
(٤) كذا أخرجه البخاري معلقا في (كتاب المغازي) باب: حديث بني النضير، وانظر حديث غزوة بني النضير بطوله عند أبي داود (٢٩٩٧)، وعبد الرزاق (٩٧٣٢) وما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>