للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راكبا إلى قريش، فحالفهم بعد بدر، وقيل: بعد أحد، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قصدهم يستعينهم في دية الرجلين الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في غزوة بئر معونة، ولم يعلم ما بين قومهما وبين النبي صلّى الله عليه وسلم من العقد، فهمّوا بطرح حجر عليه من فوق الحصن، فأخبره جبريل بذلك، فانصرف راجعا عنهم، وأمر بقتل كعب بن الأشرف كما تقدم، وأصبح غاديا عليهم بالكتائب، وكانوا بقرية يقال لها: زهرة، فوجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف، فقالوا: يا محمد، واعية على إثر واعية (١)، ثم حشدوا للحرب، ودس إليهم إخوانهم من المنافقين ما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم:

{لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} الآية.

فحاصرهم النبي صلّى الله عليه وسلم إحدى وعشرين ليلة، وقطع نخلهم وحرّقها؛ وهي البويرة.

وفيها يقول حسان بن ثابت يوبّخ قريشا ويعيّرهم بذلك: [من الوافر]

وهان على سراة بني لؤيّ ... حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبو سفيان بن الحارث:

أدام الله ذلك من صنيع ... وحرّق في نواحيها السّعير

ستعلم أيّنا منها بنزه ... وتعلم أيّ أرضينا تضير (٢)

وكان بعض الصحابة مترددا في قطع النخل، ورأوا أن ذلك من الفساد، وعيّرهم اليهود بذلك أيضا، فأنزل الله تعالى: {ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ.}

ولما اشتد على أعداء الله الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وأيسوا من نصر المنافقين .. طلبوا الصلح من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فصالحهم على الجلاء، وأن لهم ما أقلّت الإبل إلا السلاح، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم؛ لينقلوا أبوابها وأخشابها، فخرج ناس منهم إلى أذرعات وأريحا من الشام، وبعضهم إلى الحيرة (٣)، ولحق آل


(١) الواعية: الباكية.
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٣٢)، والبيهقي (٩/ ٨٣)، ومستطير: منتشر متفرق، والسعير: النار الملتهبة، النزه: البعد، تضير: تتضرر، والسراة: الأشراف، والبويرة: موضع من بلد بني النضير، وقيل: نخل قرب المدينة.
(٣) أذرعات: بلد في أطراف الشام مجاور لأرض البلقاء، ويقال لها اليوم: درعا، وأريحا: مدينة قديمة في غور الأردن، والحيرة: مدينة معروفة عند الكوفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>