للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما رأى صلّى الله عليه وسلم ما بهم من النّصب والجوع .. قال: [من الرجز]

اللهمّ إنّ العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة

فأجابوا: [من الرجز]

نحن الذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا (١)

وجرى في أثناء الحفر معجزات باهرة؛ كخبر الكدية التي أعيت سلمان، فلما ضربها صلّى الله عليه وسلم .. صارت كأنها كثيب أهيل (٢)، وإشباعهم من أقراص أتى بها أنس تحت إبطه من بيت أبي طلحة (٣)، وإشباعهم في بيت جابر من صاع شعير وبهيمة داجن وهم نحو الألف (٤).

ولما فرغوا من الخندق .. أقبلت جموع الأحزاب، كما قال الله تعالى: {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ} الآية، [ومن فوقكم]؛ أي: من قبل المشرق؛ وهم: أسد وغطفان في ألف عليهم عوف بن مالك النصري، وعيينة بن حصن الفزاري في قبائل أخر، ونزلوا إلى جانب أحد، ومن أسفل [منكم]؛ وهم: قريش وكنانة والأحابيش، ومن انضاف إليهم من تهامة، عليهم أبو سفيان بن حرب في عشرة آلاف، فنزلوا برومة من وادي العقيق (٥).

وخرج صلّى الله عليه وسلم في ثلاثة آلاف، وجعل ظهره إلى سلع (٦)، والخندق بينه وبين العدو، ورفع النساء والذراري في الآطام، واشتد الحصار على المسلمين، ونجم النفاق، واضطرب ضعفاء الدين، كما قال تعالى: {وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ} الآيات.

وتقدم حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد سيّد بني قريظة، وسأله أن ينقض العهد الذي


= ففي هذه الرواية: «والمشركون قد بغوا علينا» وهذا موزون، والله أعلم.
(١) أخرجه البخاري (٢٨٣٤)، ومسلم (١٨٠٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤١٠١)، وأحمد (٣/ ٣٠٠)، وأبو يعلى (٢٠٠٤).والكدية: الصخرة الصماء، والكثيب: الرمل، وأهيل؛ أي: يهال ويسيل ولا يتماسك.
(٣) أخرجه البخاري (٣٥٧٨)، ومسلم (٢٠٤٠).
(٤) أخرجه البخاري (٤١٠٢)، ومسلم (٢٠٣٩)، والبهيمة الداجن: السمينة، وهي التي تترك في البيت ولا تفلت للرعي، فمن شأنها أن تسمن، وفي رواية: (عناق) وهي: الأنثى من المعز.
(٥) رومة: أرض بالمدينة، وفيها البئر التي ابتاعها سيدنا عثمان وجعلها سبيلا للمسلمين.
(٦) سلع: جبل بالمدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>