للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأبى عليه، فلم يزل يخادعه بقول الزور ويمنّيه أمانيّ .. حتى أجاب إلى النقض على أن أعطاه العهد: لئن رجعت تلك الجموع خائبة .. أن يرجع معه إلى حصنه يصيبه ما أصابه، فزاد الأمر اشتدادا حتى بعث صلّى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن الفزاري، والحارث بن عوف المرّي قائدي غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يفرّقا الجمع.

فلما تم ذلك ولم يبق إلا الكتاب .. استشار صلّى الله عليه وسلم السّعدين سيّدي الأنصار، فقالا: يا رسول الله؛ أمر أمرك الله به لا بد منه أم أمر تحبه فنصنعه أم لنا؟ فقال: «بل لكم؛ رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، فأردت أن أكسر شوكتهم».

فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهؤلاء على الشّرك لا يطمعون منا بتمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وأعزنا بك نعطيهم؟ ! والله؛ لا نعطيهم إلا السيف، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أنت وذاك» (١)، [وترك ما كان همّ به من ذلك، ثم أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم] وليس بينهم وبين العدو إلا الرمي بالنبل والحصى، إلا أن عكرمة بن أبي جهل وعمرو بن عبد ودّ في فوارس من قريش لما وقفوا على الخندق ..

قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم أقحموا خيولهم مهزما من الخندق (٢)، وجالوا في السبخة، فخرج عليهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين، فأخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا، وأقبلت خيل قريش نحوهم، فقتل علي عمرو بن عبد ودّ، وألقى عكرمة رمحه، وولّوا منهزمين، ففي ذلك قال حسان: [من المتقارب]

فرّ وألقى لنا رمحه ... لعلك عكرم لم تفعل

وولّيت تعدو كعدو الظّليم ... ما إن تحور عن المعدل

ولم تلق ظهرك مستأنسا ... كأنّ قفاك قفا فرعل (٣)

وسقط نوفل بن عبد الله المخزومي في الخندق، فنزل إليه علي فقتله، وأصيب يومئذ سعد بن معاذ؛ رماه حبّان ابن العرقة بسهم في أكحله، فقال سعد: اللهم؛ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا .. فأبقني له، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم .. فاجعله لي


(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٦/ ٢٨)، وابن سعد (٢/ ٦٩)، وابن هشام (٣/ ٢٢٣).
(٢) المهزم: المكان الضيق.
(٣) عكرم: مرخم عكرمة، والظليم: ذكر النعام، وتحور: ترجع، وفرعل: ولد الضبع، وقيل: ولد الذئب منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>