للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادة، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة (١).

ثم كان من مقدمات اللطف: أن جاء نعيم بن مسعود الغطفاني ثم الأشجعي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسلما، وقال: يا رسول الله؛ إن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت» (٢).

فجاء نعيم إلى اليهود وأخبرهم أن قبائل العرب ينصرفون ويتركونكم ومحمدا، ولا طاقة لكم به، فيرجع الشؤم والوبال عليكم، فاتخذوا منهم رهائن؛ لئلا ينصرفوا حتى يناجزوا محمدا، [فصدّقوه في ذلك وتصادقوه (٣)، ثم جاء إلى قريش وأخبرهم: أن اليهود قد ندموا وباطنوا محمدا]، ووعدوه أن يتخذوا منكم رهائن، فيدفعونهم إليه فيقتلهم، وأخبر غطفان بمثل ذلك.

فلما أصبحوا .. أخذت العرب للحرب، وأرسلوا لليهود لينهضوا معهم، فاعتذروا بأنه يوم السبت، وأنهم لا ينطلقون معهم حتى يعطوهم رهائن تدعوهم إلى المناجزة، فصدّقوا نعيم بن مسعود فيما كان حدثهم به، فأوقع في قلوبهم الوهن والتجادل، وافترقت عزائمهم، وأرسل عليهم ريح الصّبا في برد شديد، فزلزلتهم وقلقلتهم وأسقطت كل قائمة لهم، وجالت الخيل بعضها في بعض، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم، حتى كان سيد كل حي يقول: يا بني فلان، فإذا اجتمعوا عنده .. قال: النجاء النجاء أتيتم.

فلما رأى أبو سفيان ما فعلت الريح وجنود الله بهم؛ لا تقرّ لهم قدرا ولا بناء .. قام فقال: يا معشر قريش؛ ليأخذ كل رجل بيد جليسه فلينظر من هو؟ قال حذيفة-وكان قد أرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتيه بخبر القوم-: فأخذت بيد جليسي فقلت: من أنت؟ فقال: سبحان الله! أما تعرفني؟ ! أنا فلان بن فلان رجل من هوازن.

فقال أبو سفيان: يا معشر قريش؛ إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث،


(١) أخرجه البخاري (٤١٢٢)، ومسلم (١٧٦٩)، دون دعائه على بني قريظة، أما هذا: فأخرجه ابن حبان (٧٠٢٨)، وأحمد (٦/ ١٤١)، وابن سعد (٣/ ٣٩٠).
(٢) أخرجه عبد الرزاق (٩٧٣٧)، وابن سعد (٥/ ١٦٦)، والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٤٤٥).
(٣) تصادقوه: رأوا أنه صديق ناصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>