للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم صلّى الله عليه وسلم علانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله عزّ وجل.

وكان تخلف عن تبوك: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية من غير عذر ولا نفاق، وإنما عوّقهم القدر، فأرجأ صلّى الله عليه وسلم أمرهم حتى أنزل الله تعالى فيهم بعد أكثر من خمسين: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (١) الآية.

وعلى مرجعه صلّى الله عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفد همدان بإسلامهم (٢)، وكتاب ملوك حمير بإسلامهم (٣)، وبعث صلّى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري كلاّ منهما على مخلاف من اليمن، واليمن مخلافان، وقال: «يسرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا» (٤).

وقدم عليه صلّى الله عليه وسلم في مرضه مرجعه من تبوك وفد ثقيف بإسلام قومهم، وكتب بتحريم عضاه وجّ وصيده (٥)، وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاصي الثقفي لكثرة سؤاله عن معالم الدين، وكان أحدثهم سنا، وبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات، فهدمها المغيرة بن شعبة.

وفي غيبته صلّى الله عليه وسلم بتبوك توفي معاوية بن معاوية المزني بالمدينة.

وفي هذه السنة-وقيل: فيما قبل الحجاب-: اعتزل صلّى الله عليه وسلم نساءه، وآلى منهن شهرا؛ وذلك بسبب تظاهر عائشة وحفصة رضي الله عنهما غيرة عليه أن شرب عسلا


(١) أخرجه البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩).
(٢) أخرجه ابن سعد (١/ ٢٩٣)، والقزويني في «التدوين» (٢/ ٢٧٣)، وانظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٥٩٦)، وقد أخرج البخاري (٤٣٤٩) من حديث البراء: أنه صلّى الله عليه وسلم بعث خالدا ثم عليا إلى اليمن، قال الحافظ في «الفتح» (٨/ ٦٦): (أورد البخاري هذا الحديث مختصرا، وقد أورده الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة بن أبي السفر، سمعت إبراهيم بن يوسف-وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه-فزاد فيه: قال البراء: فكنت ممن عقّب معه، فلما دنونا من القوم .. خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، وصففنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بإسلامهم، فلما قرأ الكتاب .. خرّ ساجدا، ثم رفع رأسه وقال: «السلام على همدان»)، وبتمامه أخرجه البيهقي (٢/ ٣٦٩).
(٣) أخرجه ابن سعد (١/ ٣٠٦)، والطبري في «تاريخه» (٣/ ١٢٠)، وانظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٥٨٨).
(٤) أخرجه البخاري (٤٣٤١)، ومسلم (١٧٣٣)، والمخلاف-بلغة اليمن-: الإقليم.
(٥) هذا عند ابن هشام في «السيرة» (٤/ ٥٤٣)، والذي عند أبي داود (٢٠٢٥)، وأحمد (١/ ١٦٥) وغيرهما: (أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ صيد وجّ وعضاهه حرم محرّم لله» وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيف)، ووجّ: واد بين مكة والطائف، سمي بوج بن عبد الحق من العمالقة، والعضاه: كل شجر له شوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>