واعلم أن المعروف:(ولو وقعت الثالثةُ لم ترتفِع، وللنَّاس طَبَاخٌ) كما روى ابن أبي خَيْثَمة بسنده: سمعت سعيدًا يقول: وقعتْ فِتْنة الدار، فلم تُبق من أهل بدرٍ أحدًا، ووقعت فِتْنة الحَرَّة فلم تُبق من أهل الحُدَيبيَة أحدًا، ولو وقعت فتنةٌ لم ترتفِع وفي النَّاس طَبَاخٌ.
فإن قيل: كيف قال: لم تُبق أحدًا من البَدْريين، وقد بقي منهم مَن عاشَ طويلًا، وماتوا حتْف أنفُسهم، مثل مالك بن ربيعة، وأبي أُسَيد الأنصاري؛ وكذا أصحاب الحُدَيبيَة، مثل ابن عُمر، حتى قال الدَّاوُدي: إنَّ هذا وهمٌ بلا شكٍّ، فقد عاش عليٌّ، والزُّبَير، وطَلْحة، وسَعْد، وسعيد؟!
قيل: إن عُثمان - رضي الله عنه - صار سبَبًا لهلاك كثيرٍ من البَدْريين، كما في القِتال الذي بين عليٍّ ومُعاوية - رضي الله عنهما -، ونحوه، وقصة الحَرَّة للحُديبيين، فغايةُ قوله: أحد في النكرة أنَّ يكون عامًّا خُصَّ؛ إذ ما مِن عامٍّ إلا وخُصَّ إلا في نحو:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة: ٢٨٢]، على أنَّ العام الذي قُصد به المبالغة قد اختلَفوا فيه: هل عُمومه باقٍ أو لا؟.