قبْل إنْطاق الجَوارح وعدمُه بعدَها، وعن الثالث، وهو أنه في آيةٍ خلَق السماءَ قبل الأرض، وفي أُخرى بعدَها بأن خلْق نفْس الأرض قبْل السَّماء، ودَحوُها بعدَه، وعن الرَّابع، وهو قوله: إنَّ قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[النساء: ٩٦]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء: ١٣٤]، يدلُّ على أنه كان مَوصُوفًا بهذه الصِّفات في المَاضي، وهو لم يَزَلْ كذلك بأنَّه سَمَّى نفسَه غفورًا رحيمًا، وهذه التَّسمية مضَتْ؛ لأنَّ التعلُّق انقطَع، وأما ذلك، أي: ما قال مِن الغَفورَّية والرَّحميَّة فمعناه: أنَّه لا يَزال كذلك، لا يَنقطعُ، فإن الله تعالى إذا أراد المغفرةَ من الأشياء في الحالِ أو الاستِقبال فلا بُدَّ من وُقوع مُراده قَطْعًا، ويحتمل أنْ يكون ما قالَه جوابَين:
أحدهما: أن التَّسمية التي كانتْ ثم مضَتْ لا الغَفوريَّة.
والثاني: أنَّ معناه الدَّوام، وأنه لا يَزال كذلك.
ووجه ثالث: وهو أنَّ السُّؤال يُحمَل على مُشكِلَين، والجَواب على دفْعهما بأنْ يقال: إنه مُشعِرٌ بأنه في الزَّمان القديم كان غفورًا، ولم يكُن في الأزَل ما يُغفَر، ولا مَن يُغفَر له (١) بأنَّه ليس في الحال غَفُورًا؟، فأجاب أولًا بأنه كان في الماضي مُسمًّى به، وعن الثاني: بأنَّ معنى (كان) الدَّوام، هذا مُحتملات كلامِه.
وأما النحاة فقالوا:(كان) هو لثُبوت خبرها ماضيًا دائمًا أو منقطِعًا.