(إياكم والظن) إن قيل: هذا تحذيرٌ منه، والحالُ أنَّه يجبُ على المُجتهِد مُتابعة الظنِّ إجماعًا، وكذا على مُقلِّده؛ قيل: إنما هو تحذيرٌ عن ظَنِّ السُّوء بهم، فإنْ قيل: الحَزْم سُوء الظَّنِّ، وهو ممدوحٌ؛ قيل: ذلك بالنِّسبة إلى أَحوال نفْسه، وما يتعلَّق بخاصَّتِه.
وحاصلُه أنَّ المَدْح للاحتِياط فيما هو متلَبِّسٌ به.
قال البَيْضاوي: التَّحذير عن الظَّنِّ إنما هو التَّحذير فيما يحبُ فيه القَطْع، والتَّحدُّث به مع الاستِغناء عنهُ.
(أكذب) الكَذِب عدَم المُطابقة للواقِع، ولا يتفاوَت، فوَجْه التفضيل فيه حينئذٍ إما كَون الظَّنِّ أكثَر كَذِبًا من الكلام، أو أنَّ إثْم هذا الكَذِب أزْيَد من إثْم الحديث به، أو مِن سائر الأكَاذيب، وإنما كان إثْمُه أكثَر؛ لأنَّه أمرٌ قَلْبيٌّ، ولا اعتبارَ به كالإيمان ونحوِه.
فإن قيل: الظنُّ ليس كَذِبًا، ومِن شَرْط أَفْعَل التفضيل أنْ يُضاف لجِنْسه؛ قيل: لا يَلزم أن يكونَ الكَذِب صِفةً للقَول؛ بل هو صادقٌ أيضًا على كل اعتقادٍ وظَنٍّ، ونحوهما إذا كان مُخالِفًا للواقع، أو الظَّنُّ