(كنت لك) قالَه - صلى الله عليه وسلم - تَطييبًا لنَفْسها، وإيضاحًا لحُسن عِشْرته إيَّاها.
ولفظة:(كان) زائدةٌ؛ [أي:] أَنا لكِ، كقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}[آل عمران: ١١٠]، ويُمكن أن يكون على ظاهِره، أي: كُنت لكِ في عِلْم الله، أَرادَ به الدَّوامَ تَطييبًا لقَلْبها؛ إذْ لم يكُن في أحواله ما يُكرَه سِوى الطَّلاق، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يُطلِّق.
قال (ع): وقد ورَد في رواية أَبي مُعاوية الضَّرير ما دلَّ على أنَّ الطَّلاق لم يكُن مِن قِبَلِ أبي زَرْعٍ، واختيارِه، قال: فإنَّه لم تَزَل به أُم زَرْعٍ حتى طلَقَها.
ورُوي أنَّ عائشة - رضي الله عنها - قالت: بأَبي أنتَ وأُمِّي؛ بل أنتَ خيرٌ في مِن أبي زَرْعٍ، فأخبَرتْ بأنه - صلى الله عليه وسلم - أفضَل، وأنَّها أحبُّ له.
وفيه أنَّ المُشبَّه بالشيء لا يَلزَم أن يكون مثلَه في كل شيءٍ، وأنَّ كِنايات الطَّلاق لا يقَع بها الطَّلاق إلا بالنِّيَّة؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة:(كُنتُ لكَ كأَبي زَرْعٍ)، ومِن أَفْعاله أنه طلَّق امرأَتَه، ولم يقَع عليه - صلى الله عليه وسلم - طلاقٌ بالتَّشبيه؛ لكَونه لم ينوِ الطَّلاقَ، وفي بعض الروايات:(غَيْرَ أنِّي لا أُطلِّقُكِ)، وفيه جَواز الإخْبار عن الأُمَم السَّالفة، وقال بعضهم: وما ذَكَرْنَ عن أَزواجهنَّ مما يُكره لم يكُن ذلك غِيْبةً؛ لكَونهم لا يُعرَفُون بأعيانِهم وأَسمائِهم.