للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيَحتاج كقَصْد التارِك الثَّوابَ، أو لتمييزٍ عن عادةٍ ونحوها كالصوم، فيَحتاج إلى النيَّة، وأما عمَل اللِّسان وهو: القَول؛ فلا يحتاج إلى نيةٍ؛ لصَراحته أيضًا كالقراءة، والأذان، والذِّكْر إلا لغرَضِ الإِثابة على ذلك كما سبَق نحوه في التُّروك.

قلتُ: وخُروج هذه الأُمور ونحوها عن اعتِبار النيَّة فيها إما لاستحالة دُخولها، وإما لخُروجها بدليلِ من باب تخصيص العُموم، فانحصرت النيَّة في أعمال الجوارح إلا أنْ يرجع إلى التُّروك كغَسل النَّجاسة؛ فلذلك قال الشَّافعيُّ وأحمد: إنَّ الحديث يدخُل فيه ثلُث العِلْم.

قال البيهقي: إذْ كَسْب العبد إما بقلْبه، أو بلسانه، أو ببقية الجَوارح، وما بالقَلْب -كالنيَّة وما في معناها- أحد الثَّلاثة بل أَرجَحها؛ لأنَّها تكون عبادةً بانفرادها بخلاف غيرِها، وهذا أَحَد التَّأْويلات فيما رُوي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "نيَّة المُؤمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِه"، ولأنَّ القول والعمَل بالجَوارح يدخلُها الفَساد بالرِّياء بخلاف النيَّة.

نعَمْ، حديث: "مَنْ هَمَّ بحسَنةٍ ولم يَعملْها كُتبتْ له واحدةً، ومَن عمِلَها كُتبتْ له عَشْرًا"، فربَّما يُوهم تعارُض الحديثَين من حيث إنَّ الأول يقتضي أنَّ النيَّة أرفَع من العمَل، والثاني يَقتضي أنَّها دُونه، وجوابه: إما أنَّ المُراد: أنَّ مَنْ همَّ بحسَنةٍ إذا لم يعملْها خلاف العامِل، والعامل لم يعمَل حتى همَّ، فوُجِد الأَمران.

أما "نيَّة المرء خيرٌ مِن عمَله"؛ فباعتِبار أنَّ مُقتضاها تخليد