وبعضُها للنَّدْب، وإطلاقُ الأَمْر فيها أو النهي استعمالٌ للَّفظ في حقيقته ومجازه، وهو جائزٌ عند الشافعي، ومَن منعَ ذلك يجعلُه لقَدْرٍ مشتركٍ بينهما مجازًا، ويُسمَّى بعُموم المجاز.
فإن قيل: فقَول الشَّافعي ذلك مع أنَّ شَرْط المجاز أن يكون معَه قَرينةٌ تَصرِف عن الحقيقة؟، قيل: المُراد قَرينةٌ تقتضي إرادةَ المجاز، أو أنْ يُصرَف عن الحقيقة أولًا، وقد جوَّزوا في الكناية -نحو: كَثِيْر الرَّماد- إرادةَ المعنى الأَصلي مع إرادة لازِمه، فكذا المجاز.
واعلم أن إطلاق النَّهي مع كون النِّساء يُباح لهنَّ بعضُها كخاتم الذَّهب دَخَلَهُ التخصيصُ بدليلٍ آخر، كحديث:"هذَانِ -أي: الذَّهب والحَرير- حرامٌ على ذُكور أُمتي حِلٌّ لإناثها".
قال (خ): هذه الأُمور لها مَراتبُ مختلفةٌ، فاتباع الجنائز فرْضُ كفايةٍ، وإذا سقَط بفعْل البعض، فما يُفعل بعد ذلك فضيلةٌ وعبادةٌ.
قلتُ: فيه نظَرٌ؛ فإن المرجَّح في الأُصول أن الكُلَّ يقَع فَرْضًا.
وعِيادة المريض فضيلةٌ لها ثَوابٌ إلا أن لا يكون له متعهِّدٌ، فتعهُّده لازِمٌ، وإجابة الدَّاعي في دَعوة النِّكاح لازمٌ بشروطه، ونصْر المظلوم كذلك، وإبرار القَسَم خاصٌّ بما يَحِلُّ من الأُمور ويتيسَّر، ولا يَحْرَج المُقسَم عليه، ولهذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكرٍ في قصَّة تعبير الرُّؤيا:"لا تُقْسِم"، حين قال: أقسَمتُ عليكَ لتُخبِرَنِّي بالذي أَصبْتُ، وردُّ السلام فرضُ كفايةٍ، فإن انفَرد المسلَّم عليه تعيَّن عليه،