أي: المُجيدين المتقين في تعبير الرُّؤيا، فكأنَّه يسأل: ما الإجادة والإتقان في حقيقة الإيمان والإسلام؟ فأجابَه بما يُنبئ عن الإخلاص.
(كأنك تراه) في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل، أي: تَعبُد الله متشبِّهًا بمن يَراه.
(فإنَّه يراك) ليس هو نفْس جواب الشرط؛ لأنَّه ليس مُتسبِّبًا عنه بل الجواب مقدَّرٌ، أي: فإنْ لم تكن تراه فاعبُدِ الله، أو اعبد فإنَّه يَراك، كما يُقال: إنْ أكرمتني فقد أكرمتُك أمسِ، أي: إنْ تعتدَّ بإكرامك فاعتدَّ وإكرامي، ويحتمل: فإنْ لم تكن تَراه فلا تغفُل؛ فإنَّه يراك، فإنَّ رؤيته مستلزمةٌ لأنْ لا تغفُل عنه، فالجزاء لازمُه، وهذا قول البَياني، والأول قول النَّحوي.
قال (ن): هذا أصلٌ عظيمٌ من الدِّين، وقاعدةٌ مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدةُ الصدِّيقين، وبُغْية السالكين، وكنز العارفين.
وتلخيص معناه: أنْ تعبُد الله عبادةَ من يَرى الله، وَيراه، فإنَّه لا يستبقي شيئًا من الخُضوع والإخلاص، وحفْظ القَلْب والجوارح، ومُراعاة الآداب ما دام في عبادته، والمعنى: إنك إنما تُراعي الآداب إذا رأَيتَه ورآك، لكونه يَراك، لا لكونكَ تراه، وهذا المعنى موجود وإنْ لم تَرَه؛ لأنَّه يراك.
وحاصله: الحثُّ على الإخلاص، ورعاية المُراقبة، وهو من جَوامع الكَلِم التي أُوتيَها صلى الله عليه وسلم، وقد ندب أهل الحقائق إلى مُجالسة