للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَجَعَلُوا الْقَبْضَ بِهِ غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ قَبْضٌ فَاسِدٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

هَذَا، وَكُلُّهُمْ إِلَّا مَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا، وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمُسَاوَمَتِهِ لَهُ عِنْدَ كُلِّ حَاجَةٍ يَأْخُذُهَا، قَلَّ ثَمَنُهَا أَوْ كَثُرَ.

وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ شَرَطَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا؛ فَلَا بُدَّ مَعَ الْمُسَاوَمَةِ أَنْ يَقْرِنَ بِهَا الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ لَفْظًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَهُوَ عَمَلُ النَّاسِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ -: جَوَازُ الْبَيْعِ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ.

وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُوَ أَطْيَبُ لِقَلْبِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمُسَاوَمَةِ، يَقُولُ: لِي أُسْوَةٌ بِالنَّاسِ، آخُذُ بِمَا يَأْخُذُ بِهِ غَيْرِي.

قَالَ: وَاَلَّذِينَ يَمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُمْ تَرْكُهُ، بَلْ هُمْ وَاقِعُونَ فِيهِ.

وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ صَحِيحٍ - مَا يُحَرِّمُهُ.

وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَالنِّكَاحِ وَالْغَسَّالِ، وَالْخَبَّازِ وَالْمَلَّاحِ، وَقَيِّمِ الْحَمَّامِ وَالْمُكَارِي، وَالْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَبَيْعِ مَاءِ الْحَمَّامِ.

فَغَايَةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَيَجُوزُ، كَمَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا.

فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، وَلَا تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ إلَّا بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>