للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فكرة الكتاب]

• كنتُ بفضل الله منذ أن قَدِمْتُ «منية سمنود» في عام (١٤٢٥ هـ) المُوافِق (٢٠٠٤ م) حريصًا على تدوين مجالس شيخنا، وأَعْظَمُها فائدة «مجلس الظُّهر» الذي كان يُفتتح بقراءة «صحيح الإمام مسلم» وكتب العقيدة و «الرسالة» للشافعي و «النكت على ابن الصلاح» ثم مراجعة الأبحاث والتحقيقات، فنِعم المجلس المعمور بالعلم والأدب والبحث والجديد من الفوائد.

ومن وراء تدوين العلم والفوائد كان هذا الكتاب الذي بين يديك، فلله الحمد والمنة والفضل والشكر.

• اقتناص الفوائد

• قال الإمام الشافعي: «اعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ يَنِدُّ كَمَا تَنِدُّ الْإِبِلُ، فَاجْعَلُوا الْكُتُبَ لَهُ حُمَاةً وَالْأَقْلَامَ عَلَيْهِ رُعَاةً» (١).

وكانت الكتابة سببًا في كثرة علم عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄، فعن أبي هريرة ﵁ قال: «مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ» (٢).


(١) «تقييد العلم» (ص: ١١٤).
(٢) أخرجه البخاري (١١٣).
قال ابن حجر في «فتح الباري» (١/ ٢٠٧): وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْهُ، إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَقَلُّ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ.
فَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا إِشْكَالَ؛ إِذِ التَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ الْكِتَابَةُ - لَمْ يَكُنْ مِنِّي. سَوَاءٌ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ أَكْثَرَ حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا.
وَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، فَالسَّبَبُ فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ، فَقَلَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ.
ثَانِيهَا: أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ، وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ثَمَانَمِائَةِ نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ.
ثَالِثُهَا: مَا اخْتُصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا.
رَابِعُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ،
فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا، فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>