(٢) أخرجه البخاري (١١٣).قال ابن حجر في «فتح الباري» (١/ ٢٠٧): وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْهُ، إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَقَلُّ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ.فَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا إِشْكَالَ؛ إِذِ التَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ الْكِتَابَةُ - لَمْ يَكُنْ مِنِّي. سَوَاءٌ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ أَكْثَرَ حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا.وَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، فَالسَّبَبُ فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ:أَحَدُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ، فَقَلَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ.ثَانِيهَا: أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ، وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ثَمَانَمِائَةِ نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ.ثَالِثُهَا: مَا اخْتُصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا.رَابِعُهَا: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ،فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا، فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute