وَمَعْنَى السَّرْوِ الْمَذْكُورِ فِيهِ: هُوَ أَسْرَى مَا فِيهِ وَأَعْلَاهُ، فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِ بِقَوْلِ رَاوِيهِ، أَيْ: مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ذِفْرَاهُ وَعَلَى سَرْوِ مَا فِيهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُكُونِهِ.وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْبَعِيرِ، بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى تَشَكِّيهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُجِيعُهُ وَيُدْئِبُهُ فِي الْعَمَلِ: «أَلَا تَتَّقِي اللهَ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟!» يَعْنِي أَخَذْتَهُ بِإِعْلَافِهِ بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ مَالِكِي بَنِي آدَمَ فِي مَمَالِيكِهِمُ الَّذِينَ يُجِيعُونَهُمْ.وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْفِقْهِ، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْفِقْهِ فِيهَا:فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ يُجِيعُهَا، لَمْ يُؤْخَذْ بِإِعْلَافِهَا، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَيُؤْمَرُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، وَتَرْكِهِ إِجَاعَتِهَا. وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ.وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: بَلْ يُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُحْبَسُ فِيهِ، كَمَا يُفْعَلُ بِهِ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مِمَّنْ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ.وَقَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ بِأَخَرَةٍ.وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِإِجْمَاعِهِمْ، وَإِجْمَاعِ مُخَالِفِيهِمْ عَلَى الْأَخْذِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَمْلُوكِينَ الْآدَمَيِّينَ.فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لِمُخَالِفِيهِمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْآدَمَيِّينَ تَجِبُ لَهُمُ الْحُقُوقُ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُقُوقُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَمَالِيكَ الْآدَمَيِّينَ يَجْنُونَ الْجِنَايَاتِ، فَيُؤْخَذُونَ بِهَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْحُقُوقُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا يَجِبُ لَهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ لَهُمْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ إِلَيْهَا، ثُمَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْحُقُوقُ بِجِنَايَاتِهِمْ، فَكَانُوا كَذَلِكَ أَيْضًا فِي تَرْكِهِ وُجُوبَ الْحُقُوقِ لَهُمْ عَلَى مَالِكِيهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بِخِلَافِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ، يُؤْمَرُونَ فِيهِمْ بِتَقْوَى اللهِ ?، وَبِتَرْكِ التَّضْيِيعِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَى مَالِكِيهِمْ فِي التَّجَاوُزِ مَا عَلَى غَيْرِ مَالِكِيهِمْ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute