للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله تعالى مرغبًا في التوبة إليه، ومبينًا عظم رحمته: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٧].

وفي حديث أبي هريرة قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِي صَلَاةٍ، وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ -وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ-: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ (١).

[٢ - واسع في سمعه وصفاته.]

قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ (٢) الْآيَاتِ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١] (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٠١٠)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الجَنَّةِ. وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ، لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ» أخرجه البخاري (٦٤٦٩) ومسلم (٢٧٥٢).
(٢) هذا جائز وإن كان قليلًا، والمراد به التعظيم. أفاده شيخنا ابن عبد المعطي، .
(٣) صحيح: أخرجه أحمد (٦/ ١٤٦)، والطبري في «التفسير» (٢٣/ ٢٦٦)، وابن ماجه (١٨٨)، والنَّسَائي (٦/ ١٦٨)، والبخاري معلقًا مختصرًا رقم (٧٣٨٥) وغيرهم، من طريق أبي معاوية، ويحيي بن عيسى، وجرير، وفُضَيْل بن عِيَاض، أربعتهم عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة ، به.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (١٣/ ٣٨٦): وهذا أصح ما ورد في قصة المُجادِلة وتسميتها.
وأخرجه أبو داود في «سُننه» (٢٢٢٠)، والطبري (٢٣/ ٢٢٦)، وابن شبة (٢/ ٣٩٨)، من طريق أسد بن موسى، ومحمد بن فُضَيْل، وعبد الأعلى بن حماد، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، به مختصرًا.
وخالفهم موسى بن إسماعيل، فأرسله، أخرجه أبو داود (٢٢١٩): حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت … به. ورواية الجماعة أَوْلَى، والله أعلم.
قال الحافظ في «فتح الباري» (١٣/ ٣٨٦): والرواية المرسلة أقوى، ثم وَجَّه الرواية التي فيها جميلة، بأن هذا كان لقبًا لها.
وأخرجه الطبري: حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار قال: ثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كَتَب إلى عبد الملك بن مَرْوان … به. فأرسله. والروايات الآتية تؤيد المعنى الإجمالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>