قال أبو عبد الله القرطبي: إِنْ حُمِلَ الحديث على صعقة الخَلْق يوم القيامة فلا إشكال، وإِنْ حُمِلَ على صعقة الموت عند النفخ في الصور فيكون ذكر يوم القيامة يراد به أوائله، فالمعنى: إذا نُفخ في الصور نفخة البعث كنتُ أول مَنْ يَرفع رأسه، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟
قلت: وحَمْل الحديث على هذا يصح؛ لأنه ﵌ تردد: هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطور؟ فالمعنى: لا أدري أصعق أم لم يصعق، وقد قال في الحديث:«فأكون أول مَنْ يفيق» وهذا يدل على أنه ﵌ يصعق فيمن يصعق، وأن التردد حصل في موسى: هل يصعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق.
ولو كان المراد به الصفة الأولى وهي صعقة الموت، لكان ﵌ قد جَزَم بموته، وتَرَّدد هل مات موسى أم لم يمت. وهذا باطل لوجوه كثيرة، فعُلِمَ أنها صعقة فزع لا صعقة موت.
وحينئذٍ فلا تدل الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى، نعم، تدل على أن موت الخلائق عند النفخة الأولى، وكل مَنْ لم يَذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذٍ، وأما مَنْ ذاق الموت أو مَنْ لم يُكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية. والله أعلم.
فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: «إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول مَنْ تنشق عنه الأرض، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش»؟