للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ النَّبِيُّ : «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَغَيْرِ الزَّوْجَةِ.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِيهَا خَاصَّةً صَحِيحَةٌ، وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ وَيُبَيِّنُهُ، وَيُعَرِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ضَعِيفٌ.

وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِحُكْمِ الْعَادَةِ تَتَصَرَّفُ فِي مَالِ زَوْجِهَا، وَتَتَبَسَّطُ فِيهِ، وَتَتَصَدَّقُ مِنْهُ، لِحُضُورِهَا وَغَيْبَتِهِ، وَالْإِذْنُ الْعُرْفِيُّ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ الْحَقِيقِيِّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: افْعَلِي هَذَا. فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ، وَلَا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ. لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الصَّرِيحَ نَفْيٌ لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ.

وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ امْرَأَتِهِ، كَجَارِيَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ، أَوْ غُلَامِهِ الْمُتَصَرِّفِ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ وَطَعَامِهِ، جَرَى مَجْرَى الزَّوْجَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ.

وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ مَمْنُوعَةً مِنَ التَّصَرُّفِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، كَالَّتِي يُطْعِمُهَا بِالْفَرْضِ، وَلَا يُمَكِّنُهَا مِنْ طَعَامِهِ، وَلَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهَا الصَّدَقَةُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِعَدَمِ الْمَعْنَى فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (١).


(١) وانظر كلام الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٣٦٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>