للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قَالَ الشَّافِعِيُّ ، فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: تَأْوِيلُهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا تَذُمُّ الدَّهْرَ وَتَسُبُّهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهِمْ، مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ تَلَفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا الدَّهْرُ. وَهُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. فَيَقُولُونَ: أَصَابَتْهُمْ قَوَارِعُ الدَّهْرِ، وَأَبَادَهُمُ الدَّهْرُ. فَيَجْعَلُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اللَّذَان (١) يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَيَذُمُّونَ الدَّهْرَ بِأَنَّهُ الَّذِي يُفْنِينَا وَيَفْعَلُ بِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ» عَلَى أَنَّهُ يُفْنِيكُمْ، وَالَّذِي يَفْعَلُ بِكُمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّمَا تَسُبُّونَ اللَّهَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ فَاعِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. كما في «الأسماء والصفات» (١/ ٣٧٨) للبيهقي.

• وقال ابن خُزيمة في «صحيحه» (٢/ ١١٨٦): قَوْلُهُ: «وَأَنَا الدَّهْرُ» أَيْ: وَأَنَا آتِي بِالدَّهْرِ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، أَيْ: بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ كَيْفَ شِئْتُ؛ إِذْ بَعْضُ أَهْلِ الْكُفْرِ زَعَمَ أَنَّ الدَّهْرَ يُهْلِكُهُمْ، قَالَ اللَّهُ ﷿ حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤]. فَأَعْلَمَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مَقَالَتَهُمْ تِلْكَ ظَنٌّ مِنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: ٢٤].

وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ أنَّ شَاتِمَ مَنْ يُهْلِكُهُمْ هُوَ شَاتِمُ رَبِّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الدَّهْرَ يُهْلِكُهُمْ، فَيَشْتُمُونَ مُهْلِكَهُمْ، وَاللَّهُ يُهْلِكُهُمْ لَا الدَّهْرُ، فَكُلُّ كَافِرٍ يَشْتِمُ مُهْلِكَهُ فَإِنَّمَا تَقَعُ الشَّتِيمَةُ مِنْهُمْ عَلَى خَالِقِهِمُ الَّذِي يُهْلِكُهُمْ، لَا عَلَى الدَّهْرِ الَّذِي لَا فِعْلَ لَهُ؛ إِذِ اللَّهُ خَالِقُ الدَّهْرِ.


(١) لعل: اللذين.

<<  <  ج: ص:  >  >>