ومثل هذا الأثر ما ذَكَره ابن القيم أيضًا (ص: ١٤): (وذَكَر الخَلَّال عن الشَّعْبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره، يَقرءون القرآن). فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشَّعْبي بهذا اللفظ خاصة، فقد رأيت السيوطي قد أورده في «شرح الصدور» (ص: ١٥) بلفظ: «كانت الأنصار يَقرءون عند الميت سورة البقرة». قال: (رواه ابن أبي شيبة والمروزي) أورده في (باب ما يقول الإنسان في مرض الموت، وما يُقرأ عنده). ثم رأيته في «المُصنَّف» لابن أبي شيبة (٤/ ٧٤) وتَرجَم له بقوله: (باب ما يقال عند المريض إذا حضر). فتبين أن في سنده مجالدًا، وهو ابن سعيد، قال الحافظ في «التقريب»: (ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره). فظَهَر بهذا أن الأثر ليس في القراءة عند القبر، بل عند الاحتضار. ثم هو على ذلك ضعيف الإسناد. وأما حديث: «مَنْ مَرَّ بالمقابر، فقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إحدى عَشْرة مرة، ثم وَهَب أجره للأموات؛ أُعْطِيَ من الأجر بعدد الأموات». فهو حديث باطل موضوع، رواه أبو محمد الخَلَّال في «القراءة على القبور» (ق ٢٠١/ ٢) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر، عن أبيه، عن علي الرضا عن آبائه. وهي نسخة موضوعة باطلة، لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه، كما قال الذهبي في «الميزان» وتَبِعه الحافظ ابن حجر في «اللسان» ثم السيوطي في «ذيل الأحاديث الموضوعة»، وذَكَر له هذا الحديث، وتَبِعه ابن عراق في «تنزيه الشريعة المرفوعة، عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة». ثم ذهل السيوطي عن ذلك، فأورد الحديث في «شرح الصدور» (ص: ١٣٠) برواية أبي محمد السمرقندي، في «فضائل قل هو الله أحد» وسَكَت عليه! نعم، قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه، ولكن هذا لا يكفي؛ فإن الحديث موضوع باعترافه، فلا يُجزئ الاقتصار على تضعيفه، كما لا يجوز السكوت عنه، كما صَنَع الشيخ إسماعيل العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ - ٣٨٢) فإنه عزاه للرافعي في «تاريخه» وسَكَت عليه! مع أنه وَضَع كتابه المذكور للكشف عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس! ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم مَنْ لا علم عنده به - أن الحديث مما يَصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الأعمال كما يقولون! وهذا ما وقع لهذا الحديث، فقد رأيتُ بعض الحنفية قد احتَج بهذا الحديث للقراءة عند القبور! وهو الشيخ الطهطاوي على «مَراقي الفلاح» (ص: ١١٧)! وقد عَزَاه هذا إلى الدارقطني، وأظنه وهمًا؛ فإني لم أجد غيره عَزَاه إليه. ثم إن المعروف عند المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدارقطني مطلقًا يراد به كتابه «السُّنن» وهذا الحديث لم أره فيه. والله أعلم.