للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَرَّف الكَلِم عن مواضعه؛ فإنه إنما أَمرَ بتحريقه وتفريقه لئلا يُجْمَع ويعاد، وقال: «إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قَدَر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا» فذِكر هذه الجملة الثانية بحرف الفاء عَقيب الأولى - يدل على أنه سبب لها، وأنه فَعَل ذلك لئلا يَقدر الله عليه إذا فَعَل ذلك.

فلو كان مُقِرًّا بقدرة الله عليه إذا فَعَل ذلك كقدرته عليه إذا لم يفعل، لم يكن في ذلك فائدة له. ولأن التقدير عليه والتضييق موافقان للتعذيب، وهو قد جَعَل تفريقه مغايرًا لأن يَقدر الرب، قال: فوالله لئن قَدَر الله عليَّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين. فلا يكون الشرط هو الجزاء. ولأنه لو كان مراده ذلك لقال: فوالله لئن جازاني ربي أو لئن عاقبني ربي، ليعذبني عذابًا. كما هو الخطاب المعروف في مثل ذلك.

• قال النووي في «شرح النووي على مسلم» (٩/ ٧١):

اختَلف العلماء في تأويل هذا الحديث:

١ - فقالت طائفة: لا يصح حمل هذا على أنه أراد نفي قدرة الله؛ فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر، وقد قال في آخِر الحديث: إنه إنما فَعَل هذا من خَشية الله تعالى، والكافر لا يَخشى الله تعالى ولا يَغفر له.

قال هؤلاء: فيكون له تأويلان:

أحدهما: أن معناه: لئن قَدَر عليَّ العذاب، أي: قضاه، يقال منه: قَدَر (بالتخفيف) وقَدَّر (بالتشديد) بمعنى واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>