للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُتَّخذ ذَلِكَ سُنَّةً، وَكَانَ يَكْرَهُ مَجِيءَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ، وَيَكْرَهُ مَجِيءَ قُباءَ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ، مَعَ مَا جاءَ فِي الآثَارِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِيهِ (١).

وقال ابن تيمية: في الأمكنة التي قام أو أقام فيها الأنبياء والصالحون، أو عبدوا الله سبحانه، لكنهم لم يتخذوها مساجد.

فالذي بلغني في ذلك قولان عن العلماء المشهورين:

أحدهما: النهي عن ذلك وكراهته، وأنه لا يُستحب قصد بقعة للعبادة، إلا أن يكون قصدها للعبادة مما جاء به الشرع، مِثل أن يكون النبي قَصَدها للعبادة كما قَصَد الصلاة في مَقام إبراهيم، وكما كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة، وكما يَقصد المساجد للصلاة، ويَقصد الصف الأول، ونحو ذلك.

والقول الثاني: أنه لا بأس باليسير من ذلك، كما نُقِل عن ابن عمر أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي ، وإن كان النبي قد سلكها اتفاقًا لا قصدًا (٢).


(١) «الاعتصام» (٢/ ٢٤٩).
(٢) «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» (٢/ ٢٧١).
وقال في «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» (٢/ ٢٧٨): وقد تنازع العلماء فيما إذا فَعَل فعلًا من المباحات لسبب، وفعلناه نحن تشبهًا به، مع انتفاء ذلك السبب، فمنهم مَنْ يَستحب ذلك، ومنهم مَنْ لا يستحبه، وعلى هذا يُخَرَّج فعل ابن عمر ، بأن النبي كان يصلي في تلك البقاع التي في طريقه لأنها كانت منزله، لم يَتحرَّ الصلاة فيها لمعنى في البقعة. فنظير هذا أن يصلي المسافر في منزله، وهذا سُنة.
فأما قصد الصلاة في تلك البقاع التي صلى فيها اتفاقًا، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - يَذهبون من المدينة إلى مكة حجاجًا وعُمارًا ومسافرين، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه تحرى الصلاة في مُصلَّيات النبي . ومعلوم أن هذا لو كان عندهم مستحبًّا لكانوا إليه أسبق؛ فإنهم أعلم بسُنته وأَتْبَع لها من غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>