للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عطية (ت: ٥٤٢) في «المُحرَّر الوجيز» (٤/ ٥١٣): اختَلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه:

فقالت فرقة: اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات، فقول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] هو الاختصام.

وقالت فرقة: بل اختصامهم في الكفارات وغَفْر الذنوب ونحوه، فإن العبد إذا فَعَل حسنة اختَلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يَقضي الله بما شاء.

وقال ابن العربي (ت/ ٥٤٣) في «أحكام القرآن» (٤/ ٧٢) فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ : فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ: «سَأَلَنِي رَبِّي ? فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْت: فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ. قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْت: الْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَالتَّعْقِيبُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْت: إِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ».

وَقِيلَ: خُصُومَتُهُمْ قَوْلُهُمْ: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠]» هَذَا حَدِيثُ الْحَسَنِ، وَهُوَ حَسَنٌ.

وقال ابن الجوزي (ت/ ٥٩٧) (١) في «زاد المسير» (٧/ ١٥٥): وفي مناظرتهم قولان:


(١) تقريبًا وُلد سنة (٥١٠) فعاش نحو (٨٧).
وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (٤/ ٩٣): ما عَلِمْتُ أحدًا من العلماء صَنَّف ما صَنَّف هذا الرجل، مات أبوه وله ثلاث سنين فرَبَّتْه عمته.
ولما ترعرع حملته عمته إلى الحافظ ابن ناصر فاعتنى به وأسمعه الكثير، حَصَل له من الحظوة في الوعظ ما لم يَحصل لأحد قط، وحضر مجالسه ملوك ووزراء، بل وخلفاء من وراء الستر.
وكان يَختم في كل أسبوع ختمة، ولا يَخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو المجلس.
من بدائع كلامه: عقارب المنايا تلسع، وخدران جسم الأمل يَمنع الإحساس، وماء الحياة في إناء العمر يرشح بالأنفاس.
ومن كلامه: مَنْ قَنِع طاب عيشه، ومَن طَمِع طال طيشه.
وقال عن نفسه في الخُطبة: كتبتُ بأصبعي ألفي مجلد، وتاب على يدي مِائة ألف، وأسلم على يدي عِشرون ألفًا.
قال الذهبي: كان ابن الجوزي كثير الغلط فيما يصنفه؛ فإنه كان يَفرغ من الكتاب ولا يعتبره.
قلت: نعم، له وهم كثير في تواليفه، يَدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مُصنَّف آخَر.
وقد قرأ بواسط وهو ابن ثمانين سنة بالعَشْر على ابن الباقلاني، وتلا معه ولده يوسف، نَقَل ذلك ابن نقطة عن القاضي محمد بن أحمد بن الحسن.
انظر: «تذكرة الحفاظ» (٤/ ٩٣ فما بعد).

<<  <  ج: ص:  >  >>